النضال العمالي٬ العدد 2200 - 1 اكتوبر - تشرين الأول 2010
قبل أربعين عاما، بدأ في ۱٧ أيلول (سبتمبر) ۱٩٧٠، ما سمي لاحقا \\\"أيلول الاسود\\\" للفلسطينيين. حينها تدخل الجيش الأردني على نطاق واسع ضد منظمات وتجمعات اللاجئين الفلسطينيين في أراضيه، وأدى القصف المدفعي لمخيمات اللاجئين في المدن الكبرى إلى الآلاف من القتلى.
كانت الأردن، التي ضمت الضفة الغربية من فلسطين في أعقاب إنشاء دولة إسرائيل عام ٩٤٨۱، إحدى البلدان الرئيسية التي استضافت الفلسطينيين المطرودين من أراضيهم من قبل الجيش الإسرائيلي. و بعد حرب الأيام الستة في أيار (يونيو) ٩٦٧۱، تسبب احتلال اسرائيل للضفة الغربية تدفق لاجئين جدد، إلى أن شكل الفلسطينيون، في أواخر الستينيات، ٦۰ ٪ من سكان البلد، حتى أن الجيش الأردني نفسه كان متألفا بشكل أساسي من الفلسطينيين. كما أصبحت الأردن واحدة من القواعد الرئيسية للمنظمات الوطنية الفلسطينية ونقطة البداية لمعظم العمليات الفدائية ضد الجيش الاسرائيلي، فكان بالتالي الهدف الرئيسي لعمليات الجيش الاسرائيلي الانتقامية. ولكن الضربة الحاسمة للفلسطينيين أتت من هذا النظام الأردني العربي \\\"الصديق\\\".
مترتبات هزيمة العرب في ۱٩٦٧
منذ تأسيس إسرائيل عام ۱٩٤٨، جعل زعماء الدول العربية من مأساة الشعب الفلسطيني والكفاح ضد إسرائيل \\\"القضية المقدسة للعالم العربي\\\". ولكن ذلك لم يكن سوى غوغائية مناسبة للغاية لهؤلاء الزعماء، تهدف إلى تحويل سخط شعوبهم ضد الأعداء الخارجيين. وفي هذا السياق، أنشأت في ۸٢ أيلول (مايو) ۱٩٦٤ منظمة التحرير الفلسطينية، بدعم وتمويل جامعة الدول العربية، كوسيلة لتوجيه والسيطرة على ثورة الشعب الفلسطيني، في حين يبدوا القادة العرب كمساندين فعليين للشعب الفلسطيني الشقيق.
لكن الوضع تغير مع انهيار الجيوش العربية، خلال ستة أيام، أمام الهجوم العسكري الاسرائيلي في يونيو ۱٩٦٧. ففقدت مصر قطاع غزة، الذي كانت قد ضمته في ۱٩٤٨، وشبه جزيرة سيناء. وبترت سوريا من مرتفعات الجولان، والأردن من الضفة الغربية والقدس الشرقية. ففقد بذلك القادة العرب كل مصداقيتهم في نظر الجماهير العربية والشعب الفلسطيني الذي تحولت أنظاره نحو المنظمات الوطنية، مثل منظمتي فتح برئاسة ياسر عرفات والجبهة الشعبية برئاسة جورج حبش، التين أكدتا تصميمهما على عدم إلقاء السلاح، ومواصلة الكفاح المسلح.
كانت هذه المنظمات، التي ولدت في أواخر الخمسينيات على مثال جبهة التحرير الوطني الجزائرية، قد بدأت سياسة العمليات منذ عام ۱٩٦٤، لكن شعبيتها ظلت محدودة حتى حرب الأيام الستة، حيث قامت في أعقابها بمضاعفة العمليات الفدائية ضد إسرائيل. وفي أذار (مارس) ۱٩٦٨، ألحقت حركة فتح الجيش الإسرائيلي بهزيمة خلال هجوم قواته المتفوقة عددا على قرية كرامي الأردنية. واثارت هذه الأحداث الحماسة، حيث انضم الآلاف من الشبان الفلسطينيين في الأردن وسورية ومصر ولبنان إلى صفوف الفدائيين المدافعين عن القضية الفلسطينية. ومع تضاعف أعداد هؤلاء الفدائيين بين ۱٩٦٨ و۱٩٧٠، قامت المنظمات الوطنية الفلسطينية بالسيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية، وأصبح ياسر عرفات، في ۱٩٦٩، رئيسا لها.
رأى قادة الدول العربية في نشوء حركة فلسطينية قوية، تتمتع بشعبية كبيرة في جميع أنحاء العالم العربي، وخارجة عن إرادتهم، تهديدا لأنظمتهم. ذلك حتى لو أن القادة الفلسطينيين، خلف ياسر عرفات، لم يبدوا أية نية للاستفادة من دعم الجماهير العربية لتحريكها ضد هذه الأنظمة، بل قدموا العديد من الرموز عن عدم رغبتهم في التدخل في شؤونها الداخلية.
مع ذلك، بقي القادة العرب قلقون من قدرة المنظمات الفلسطينية وقادتها على السيطرة على الحركة الجماهيرية الداعمة لها. إذ أنه من المحتمل جدا أن يشكل الفدائيون نقطة تجمع للغليان ثوري لجميع المضطهدين في المنطقة وعلى أي حال عاملا من عوامل عدم الاستقرار لجميع الأنظمة في الشرق الأوسط.
الملك حسين يختار المواجهة
في الأردن، كان التهديد مباشرا للملك حسين. إذ شكلت في الواقع المنظمات الفلسطينية، المتألفة من ٤۰۰۰۰ عنصر مسلح، دولة داخل الدولة. حيث أنها فرضت سيطرتها الفعلية على مناطق عدة من المملكة. في العاصمة عمان ، كان «الفدائيون» في موقع متأرب، حيث كانوا ينافسون القوات الملكية في مهمة حفظ الأمن. وبذلك، وإن لم يكن في نية قادة منظمة التحرير الفلسطينية الانقلاب على الملك الحسين، فلم يكن باستعداد الأخير تحمل سلطة منظمة التحرير الفلسطينية، فكان له أن يباشر المواجهة المحتمة معها.
وفي تموز(يوليو) ١٩٧۰، بعد عدة أشهر من التوتر بين اسرائيل ومصر، على خلفية عمليات شد وجذب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ،وافق جمال عبد الناصر، الذي كان حتى ذلك الحين الشخص المجسد للقومية العربية، على خطة السلام التي اقترحها السكرتير الأمريكي كولن روجرز والتي وافق عليها الاتحاد السوفياتي. وحذت حذوه الاردن كما جميع الحكومات العربية. هذه الخطة، التي قدمت على أنها الفرصة الاخيرة للعودة الى السلام في المنطقة، كانت تتجاهل المطالب الوطنية لعرب فلسطين، وبالتالي لم يمكن إلا أن ترفض من قبل المنظمات الفلسطينية. فقامت حملة دولية تندد بهذه المنظمات على أنها تتسب بحروب بشكل غير مسؤول. في هذا السياق أتيح للملك حسين أن يشن هجومه العسكري ضد معسكرات الفدائيين واللاجئين في الأردن.
وكان الحسين يحظى بدعم الولايات المتحدة المفتوح، والتي هددت بالتدخل عسكريا \\\"لحماية مواطنيها\\\" اذا لاقت قوات الملك صعوبات في حملتها. كما أنه تمتع بدعم ضمني من جميع الأنظمة العربية من عبد الناصر في مصر إلى الملك فيصل في المملكة العربية السعودية. سوريا وحدها تظاهرت بنية الدفاع عن الفلسطينيين من خلال دفع البعض من دباباتها داخل الأردن، قبل سحبها على الفور.
بعد عشرة أيام من المذابح، ومع أنه كان من المفترض أن اتفاق القاهرة، الذي وقع في ٢٧ أيلول (سبتمبر) بين الملك حسين وياسر عرفات تحت رعاية الرئيس المصري عبد الناصر، أن ينهي القتال. لكن جيش الملك حسين استمر، في الأشهر التي تلت، تتبع المقاتلين الفلسطينيين الناجين من المذابح في جميع أنحاء البلد. فدفع المقاتلون الفلسطينيون، الذين تركوا من دون أية آفاق أو توجيهات، ثمن رفض منظمة التحرير الفلسطينية الاستناد على تعاطف الجماهير لمهاجمة الأنظمة العربية. واستلزم قوات الملك حسين سنة أخرى للقضاء على أي وجود فلسطيني مسلح على الأرض الأردنية. وفي تموز (يوليو) عام ٩٧١١، سحقت القوات الملكية آخر المقاتلين الفلسطينيين اللاجئين في شمال الأردن.
شكل \\\"أيلول الأسود\\\" برهانا على أنه في نضالهم ضد الظلم الإسرائيلي، لم يكن للفلسطينيين ما ينفعهم من قبل القادة العرب، مهما كانت غوغائيتهم القومية أو التقدمية. ورفض هؤلاء القادة ، على أمثال حكام دولة اسرائيل والامبريالية الامريكية، أي تشكيك في الوضع الراهن في المنطقة، وحتى لمجرد الحفاظ على المطالب الوطنية للشعب الفلسطيني... وإن كان ثمن ذلك وقوع مذبحة. كما أن نفس الوضع كان ليتكرر في وقت لاحق في لبنان، ابتداءا من عام ١٩٧٥. وبذلك يكون الفلسطينيون قد جروا من هزيمة إلى أخرى، لأنه في تقاسم منطقة الشرق الأوسط التي قامت به الإمبريالية ، لم يكن هناك مكان لهم، وأيضا لأن النظرة القومية لمنظمة التحرير الفلسطينية، تبينت عن ضيقها الشديد في مواجهة هذه الحالة.
جان جاك لامي
النضال العمالي٬ العدد 2200 - 1 اكتوبر - تشرين الأول 2010