مجلة النضال العمالي رقم 2231 بتاريخ 6 مايو/أيار 2011
توالت شاشات التلفزة في العالم على بث صور أوباما وهو يعلن إغتيال بن لادن على يد وحدة كوماندس أميركية، وصور احتفالات الفرح التي رافقت إعلان هذا الخبر في واشنطن. ثم جاء سيل التهاني التي تلته على الرغم أنه ليس مدعاة مفخرة، فقد توجب على وكالة استخبارات أقوى بلد في العالم مدة عشر سنوات كي تتخلص من الرجل الذي خطط لهجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001.
كان بن لادن وغد لا يستحق البكاء على موته طبعا. فإن هجمات عام 2001 التي قام بها مخزية حقا، وإن كان مركز التجارة العالمية شعار للامبريالية الأميركية، فإن ما يقارب الثلاثة آلاف عامل لقوا حتفهم جراء هذه الهجمات، وهم ليسوا مسؤولين عن السياسة الامبريالية.
يكفي الاستماع لسيرة حياة بن لادن حتى نفهم أنه نتاج الامبريالية الأميركية بحد ذاتها.
فهو إبن لعائلة ثرية في المملكة العربية السعودية. وكان قد بدأ نشاطه الإرهابي تحت أمرة وكالة الاستخبارات الأميركية. ففي تلك الحقبة، خلال الثمانينات، كانت أفغانستان تحت الاحتلال السوفياتي. فقامت واشنطن، بهدف الحد من نفوذ موسكو، بدعم وتسليح المقاتلين الأصوليين. فللقاعدة نفس أصول حركة طالبان : طلاب المدارس الدينية الإسلامية الذين يقومون بفرض سلطتهم القمعية على أفغانستان.
فلطالما استخدمت القوى الامبريالية هذه اللعبة، حتى خارج نطاق الصراعات الماضية مع الاتحاد السوفياتي. ولا شك أن سيطرتها على العالم لطالما أثارت السخط والغضب والكراهية، حتى أن جيوشها لم تعد قادرة على رد الانتفاضات التي تنتج عنها. وتكمل هذه الدول عنفها المباشر عن طريق تغذية القوى الرجعية المحلية وأيضا بتجييش الشعوب الواحدة ضد الأخرى. ليس قيام بضع عشرات من الشركات الرأسمالية الكبيرة بنهب العالم إلا نتيجة لهذه السياسات.
غالبا ما تتحول كلاب الحراسة هذه إلى كلاب مسعورة تعض مربييها. وهذا ما حصل لدولة إسرائيل التي قامت في الماضي باستخدام حركة حماس في سبيل الحد من نفوذ عرفات. والأمر سيان بالنسبة للولايات المتحدة مع بن لادن. فآلة القتل البالغة المتقنة التي ساهمت بإنشائها قامت بإظهار فاعليتها المريعة في معقل هذه القوة العظمة.
وبإمكان قادة هذا العالم أن تفرح وتعلن بأن الإرهاب قد زال. لكنه لم يزل قط، لأنهم هم أنفسهم يعيدون إحيائه دائما. فإن استطاع بن لادن الاختباء كل هذه المدة، فإنه لم يكن في مغارة في عمق الجبال في أفغانستان، بل في فيلا بالقرب من إسلام أباد، عاصمة باكستان الحليفة للولايات المتحدة، ذلك كان بفضل دعم المتواطئين معه، بدءا من جهاز المخابرات الباكستانية إلى أفراد من المواطنين.
نعم، فبن لادن كان وغدا يحتقر البشر كما يحتقرهم قادة القوى الامبريالية. فالقصف العشوائي الذي يقومون به يغذي الهجمات الارهابية. فلم يجد بن لادن صعوبة بتجنيد وتكوين العصبية الدينية لدى الشباب اليائسين إلى حد تفجير أنفسهم بالقنابل، ذلك أمام وفرة البؤس المادي والمعنوي التي تنتجها الهيمنة الامبريالية في البلدان الفقيرة المسلمة.
وحتى في خضم نشوتهم، يخاف القادة السياسيون للإمبريالية من حدوث موجة من الهجمات الانتقامية. لأنه إن كان الشعب الأميركي يكره، بكل حق، بن لادن، فالأمر يختلف في هذا الجزء من العالم حيث تعتبر الشعوب أفظع العمليات التي يقوم بها بن لادن كأنها أعمال انتقامية ضد القوى الغربية التي تقوم بنهبها وباستغلالها وبإذلالها.
فالذين شعروا، من بين الجماهير الفقيرة، بالثأر عند سماعه خطابات وأفعال بن لادن، الأبن الغني لعائلة برجوازية والرجعي، هم مضللون بالتأكيد. وأولئك الذين يمارسون الإرهاب الأعمى ليس بإمكانهم إلا إنشاء أنظمة قمعية شرسة على المستغلين. فلا يمكن للفقراء الاعتماد على أحد في سبيل الثأر كما في سبيل الخلاص من حالة الفقر.
فالسبيل الوحيد لتحرر العمال من أغلال مجتمع يسوده المال والاستغلال والامبريالية، هو سعيهم إلى ذلك بأنفسهم. وهذا ينطبق على الجماهير المحرومين هناك وعلى المستغلين هنا.
أرليت لاغييه.
مقدمة نشرة المؤسسات