سوريا : مهما كانت الذريعة، لا للتدخل العسكري الغربي ! - 2013

Print
ترجمة

من أسبوعية النضال العمالي رقم 2353 من 6 سبتمبر 2013

في حين أن التدخل الغربي في سوريا كان يبدو وشيكا في نهاية أغسطس وبعدما كان فضاء وسائل الاعلام مشبعا بتصاريح حربية من الرؤساء الفرنسيين والأميركيين، أصبحت الأولوية بعدها بأسبوع، بالنسبة لهؤلاء القادة: الانتظار.

ليس هذا التردد فقط نتيجة للعبة السياسية بين مختلف البلدان. طبعا أن النواب البريطانيين قد رفضوا اقتراح باراك أوباما بالتدخل العسكري بانتظار قرار مجلي الشعب الأمريكي مما ترك في نفس الوقت هولاند معلقا في الهواء. في الواقع، ومنذ بداية الحرب الأهلية السورية، يتردد ممثلو القوى الكبرى على ما يجب القيام به: هل من الاحرى تقديم الدعم العسكري لمعارضة الأسد وإذا كان الأمر كذلك فبأي وسيلة يمكن الحفاظ على استقرار النظام الإمبريالي في المنطقة؟

ورغم كل الأهداف الانسانية التي تذرع بها قادة الغرب، ليس لمصير الشعب السوري أي مكان في حساباتهم. إن استخدام الغاز السام المنعوت بــ" الخط الأحمر" من قبل هولاند وأوباما قد أتى بعد سنتين من القتال الذي أدى إلى مئة ألف قتيل ومليونا مشرد ودمار لا يحصى. فبالنسبة لسكان سوريا العالقين بين المطرقة والسندان لقد تم تجاوز الخط الأحمر منذ زمن بعيد.

وديكتاتورية بشار الأسد هذه، التي يندد بها الدبلوماسيون الغربيون وخدامهم اليوم، كانت منذ زمن قريب لائقة المظهر تماما بنظرهم. فالرئيس الأسد (بحسب تعبيرهم وقتها) قد حل كضيف شرف في باريس لحضور عرض ال14 يوليو 2008 (العيد الوطني الفرنسي). فليست الدكتاتورية ما يزعج هولاند وأوباما وأمثالهم. قام هؤلاء، بعد "الربيع العربي" عام 2011 وأولى المظاهرات التي قامت ضد النظام، بدعم مجموعات الميليشيات المسلحة التي تم تنظيمها ودعمها من قبل قطر وتركيا، والتي قامت بأخذ مكان الحراك الشعبي. بذلك كانوا يهدفون ألى اضعاف الأسد وحتى إلى استبداله بنظام دكتاتوري آخر أكثر استعدادا لخدمة مصالحهم.

ولكن الحال الآن أنه، ومنذ عامين من المجازر المستمرة، لا يزال نظام الأسد في مكانه والجيش لا زال يحتفظ بقدراته على قمع السكان ومقاومة التدخل الغربي المحتمل. ومن جانب المعارضة لم تظهر أي قيادة سياسية ذات مصداقية.

ولا يكفي أن يلقي فرانسوا هولاند في الاليزيه برئيس إئتلاف وطني سوري، كما فعل في 29 آب، ليصبح هذا الأخير قادرا على تشكيل سلطة بديلة في البلاد. لا أحد يتحكم بالفعل بمختلف الجماعات المسلحة المعارضة للنظام، وحتى ولو كانت مجتمعة تحت الاسم الرمزي "الجيش السوري الحر"، حيث تقوم كل منها بإحلال قوانينها على القسم الذي تسيطر عليه من البلاد، أو حي أو حتى مجرد شارع. كما تؤدي ممارسات بعض الميليشيات، وخاصة الاسلامية منها المرتبطة ام لا بتنظيم القاعدة، إلى دفع السكان إلى أحضان الأسد على الرغم من الفظائع التي ارتكبها جيشه.

تتحدث القوى الغربية اليوم عن "معاقبة" الدكتاتورية السورية بقصف البلاد ولكنها لا تتحدث عن إسقاط الدكتاتور. وحتى لو تمكنوا من القضاء عليه، فهم، عدا عن ذلك، لا يعرفون بمن يستبدلونه. وإن قررت التدخل فمن الواضح أن ذلك لن يكون لأسباب إنسانية ولا من أجل "حماية" الشعب السوري. فالصواريخ التي قد يتم أطلاقها سوف تقع على هذا الشعب كما الصواريخ التي سبقتها.

ما يقلق القادة الغربيون دون شك هو أن ميزان القوى العسكرية قد بدا في الآونة الأخيرة يميل لصالح نظام الأسد. فإذا أرادت القوى الإمبريالية أن تحتفظ بإمكانية التأثير في حل الأزمة السورية فيتوجب إعادة التوازن لصالح المعارضة.

وعلى كل حال، باقتراب مؤتمر الدول الكبرى العشرين، يريد القادة الغربيون وضع تهديدهم بالتدخل في كفة ميزان المفاضات التي سوف تتم على الأرجح مع روسيا.

على أي حال، يهدف التدخل العسكري للقوى الغربية في سوريا، مهما كان نوعه، إلى السماح لهم بالاستمرار بلعب دورهم في المنطقة بهدف حماية مصالحها وخاصة تلك المتعلقة بشركات النفط الكبرى وبالدكتاتوريين الذين يحمون هذه المصالح.

أما النتيجة في الأمد القريب لن تكون إلا بتزايد الفوضى كما حل في أفغانستان والعراق وليبيا وفي أماكن أخرى. يجب علينا أن نقول لا لأي تدخل عسكري غربي في سوريا مهما كانت الذريعة التي يتظلل بها.

بطرس جالوا