إضراب عام في مارتينيك وغوادلوب - 2009.

Stampa
ترجمة

بدآ في جوادلوب في 20 كانون الثاني / يناير ، وفي مارتينيك في 5 فبراير، إضرابان عامان أديا إلى إشلال، حتى بداية شهر آذار/ماترس الجاري، هاتان الجزيرتان الواقعتان في الآنتيل، المستعمرات الفرنسية السابقة، والتي لا تزال دوائر فرنسية في الخارج. قدم العمال في هذان الإضرابين سلسلة من المطالب، أهمها الحصول على زيادة لا تقل عن 200 يورو على الراتب الشهري.

وتعاني الجزر الفرنسية في الخارج غلاء المعيشة بشكل خاص، حتى لو كان ذلك الواقع في جميع أنحاء البلد. فالأسعار بما في ذلك أسعار الغذاء والوقود والغاز والمنتجات الضرورية، تتجاوز بنسبة 40 ٪ و50 ٪ الأسعار في القسم الأوروبي من البلد. فإن النقل مع فرنسا والمتاجر الكبرى والصناعة الغذائية المحلية تكمن في أيادي عدد قليل من العائلات البالغة الثراء التي تكسب أرباح هائلة عبر ابتزاز فعلي للشعب، وذلك بتواطؤ السلطات والدولة. والجزء الأكبر من هؤلاء هم من عائلات "البيكه" "békés" المنحدرة من تجار العبيد الذين استغلوا هذه الجزر خلال عدة قرون.

أما غالبية السكان، على العكس، فهم من أحفاد العبيد الذين تم نقلهم إلى هنا بالقوة أيام تجارة العبيد. فإلغاء العبودية يعود إلى العام 1848 فقط، وحتى لو كانت القوانين اليوم بالنسبة للأجور وظروف العمل الخ، هي نفسها التي في فرنسا، يبقى رغم ذلك شيء من العلاقة الاستعمارية القديمة. وإن هذا لا يؤدي إلا إلى زيادة غضب سكان جزر الآنتيل الفرنسية.

إضراب نشيط وتحرك فعلي

إن انطلاق الإضراب في جوادلوب وإدارته يعود إلى تجمع اسمه "Lyannaj Kont Pwofitasyon" (LKP)، مما يعني باللغة الكريولية : التحالف ضد الاستغلال المفرط. ويضم هذا تجمع العديد من الجمعيات والنقابات الممثلين عبر ناشطين قوميين ويساريين ثوريين.

كان الاضراب عاما منذ البداية، مع مظاهرات كبرى ضمت 000 20 أو 000 30 شخصا في هاتان الجزيرتان اللتان لا يتجاوز عدد سكان كل منهما ال000 400 نسمة، إلا قليلا.

لا توجد مصانع كبيرة في جزر الأنتيل الفرنسية، ولكن المناطق الصناعية تضم عددا كبيرا من الشركات الصغيرة المجتمعة، كشركة "جاري (Jarry)" على أبواب المدينة الرئيسية في جوادلوب، "بوانت أبيتر (Pointe-à-Pitre)". وعلى الرغم من هذا، تمكن التجمع المنظم للإضراب إلى قيادة الحركة بنجاح..وإذا كان من بين العاملين في الشركات الصغيرة من يشعر، أمام الضغوط القوية لرب العمل، بعدم القدرة على بدأ الإضراب، كانوا يطلبون مساعدة التجمع الذي كان يبعث ببعض المجموعات من المضربين في القطاعات الأخرى. هذه المجموعات تمكنت، بفضل قوة وجودهم وعددهم، ومن دون عنف، من وضع الشركة داخل الإضراب.

وهكذا تم إتباع، في كلا جوادلوب ومارتينيك، تكتيك "الإضراب المتماشي" حيث تقوم مجموعة من المضربين في منطقة صناعية أو تجارية ما بالتجول من شركة لأخرى مكتسبة في كل مرة عدد جديد من العمال إلى الإضراب.

كان الضغط قويا بصفة خاصة في محلات السوبر ماركت الكبيرة حيث أراد رؤسائها، المنتمون بأغلبيتهم إلى أسر البيكه، إبقاءها مفتوحة بأي ثمن. ولكن مجموعات المضربين كانت تقوم، في حال بقي المتجر مفتوحا بعد أول تدخل، باحتلال وإقفال الصناديق في المرة الثانية، طالبين من الزبائن الموجودين بالخروج مع ما بحوزتهم من السلع... دون تمكنهم من الدفع. من الطبع أن ذلك لم يزعج إلا قلة صغيرة من الزبائن، وهو الشيء الذي زاد من شعبية الإضراب.

مطالب يتشارك عليها جميع:

إن حكومة ساركوزي، المعروف بحرصه على الظهور كسريع التحرك على جميع الجبهات، ظلت صامتة إلى حد كبير أمام هذه الحركة الاجتماعية. حيث كان فعلا ما يستحق قلقها، لأنه في الفترة نفسها، في 29 يناير، وبنداء النقابات، جرى في فرنسا يوم من الإضرابات والمظاهرات مع أكثر من مليون مشارك، رافعين المطالب ضد الأزمة وفي سبيل زيادات في الأجور مماثلة لتلك التي الآنتيل. ويوم آخر كان في طور الإعداد في 19 مارس، ولم تثير حركة العمال في الآنتيل تعاطف العاملين في فرنسا وحسب، بل يمكنها تشجيعهم على توسيع نطاق النضال في جميع أنحاء البلاد.

وبالطبع فالعائلات الغنية في جزر الآنتيل الفرنسية تشكل قلة بالقياس إلى تلك التي تدير الرأسمال الكبير في فرنسا والتي ما فتأت تحقق الأرباح الطائلة رغم الأزمة، وتتلقى، علاوة عن ذلك، مساعدات من الدولة بلغت عشرات مليارات اليورو، ذلك في الوقت التي كانت تقوم فيه بغلق مئات المصانع وبصرف عشرات الآلاف من العمال أو بوضعهم تحت البطالة الجزئية.

فزيادة الأجور ومكافحة البطالة وهشاشة العيش، كما رفض العمال لدفع تكاليف أزمة ناتجة عن عدم مسؤولية وجشع الطبقة الحاكمة من الرأسماليين والمصرفيين والمراهنين، فهي مطالب ضرورية لجميع العمال ليس فقط في منطقة الآنتيل ولكن في فرنسا كلها والدول الأخرى كافة.

ورفضت الحكومة وأرباب العمل "البيكه"، بدعم من أرباب العمل الفرنسية، بعناد ولفترة طويلة زيادة ال200 يورو على وجه التحديد، آملين باستنفاذ التحرك مع الوقت. وزاد إرسال قوات القمع بشكل إلى الجزر من حدة التوتر، مما أدى، في 17 فبراير، إلى وفاة ناشط في الإتحاد العمالي العام في جوادلوب CGTG. ولكن التحرك ، بدلا من أن يستنزف قد تعزز وتصلب، مما اضطر الحكومة إلى تقديم تنازلات، مما أدل على ضعف ما يسمى بقوة ساركوزي الصارمة حين تكون بمواجهة حركة عمالية قوية.

الانتصار بال200 يورو

وانتهى الإضراب بانتصار، وخاصة بالنسبة للمطلب الأهم : زيادة 200 يورو على أدنى الأجور. وذلك،رغم أن أرباب العمل والحكومة كانوا رافضين الخضوع لمبدأ زيادة الأجور أصلا. فالإضراب العام، والمطالب، هو إشارة عن موقف العمال الجديد إذ أنهم انتقلوا الآن من الدفاع إلي الهجوم. فأراد أرباب العمل إلحاق الهزيمة بهم في سبيل خفض معنوياتهم. ولكن كل المناورات قد باءت بالفشل بمواجهة طبقة عمالية متفاعلة ومنظمة، والتي انضم إلى تحركها، في جوادلوب على وجه الخصوص، الغالبية العظمى من الطبقات الشعبية.

وعلاوة على ذلك، بمواجهة إضراب يزداد شعبية بشكل كبير في فرنسا، بدأت الحكومة بفقدان ماء الوجه، فاختارت السعي في آخر الأمر إلى اتفاق، وإن كان ذلك عبر مساعدات مالية لأرباب العمل في الآنتيل وتخفيض الضرائب الاجتماعية عليهم بشكل يقلل ثمن زيادة الأجور لهم. فمكن ذلك من توقيع الأتفاق الذي سمي باسم الناشط المقتول جاك بينو "Jacques Bino"، وذلك من قبل جميع نقابات العمال وأرباب العمل، باستثناء الفرع المحلي لل MEDEF، منظمة أرباب العمل الفرنسيين، التي ما فتأت ترفض التوقيع.

وحتى بعد تعليق الإضراب العام في أوائل آذار / مارس، بقيت التعبئة قوية، فجال المتظاهرون على الشركات الأعضاء في MEDEF الواحدة تلو الأخرى لإقناع رؤسائهم على توقيع هذا الاتفاق على أساس فردي. وهكذا خضعوا الواحد تلو الآخر لميزان القوى الذي فرضه قدوم موج من المتظاهرين الداعمين للعمال المضربين في الشركة، فوقعوا على الاتفاق.

ويتناول جزء آخر من الاتفاق مسألة خفض الأسعار، وخاصة أسعار السلع الأساسية، إذ تم تشكيل قوائم بالمنتجات التي يتناولها التخفيض بنسبة 20%. ومن الواضح أنه يجب الآن التأكد من فاعلية هذا التخفيض، وهنا أيضا، سيكون من الضروري الحفاظ على التعبئة. وإنه ليس أمام العمال، في سبيل وضع مراقبة فعلية للأسعار، إلا الاعتماد على أنفسهم، ومن الممكن أن يحتاجوا إلى المزيد من المظاهرات لإجبار رؤساء المحلات التجارية الكبرى وشركات التوزيع لتخفيض الأسعار بالفعل، كما احتاجوا فعله لإجبارهم على توقيع الاتفاق Bino. فالنضال مستمر.

سوف تبقى التجربة في أذهان العمال في الآنتيل

على الرغم من صعوبات التحرك وطول مدته، كان الإضراب العام هذا نجاحا كبيرا للعمال والفقراء. فما حققه العمال يتجاوز بكثير ما كان يمكنهم أن يحصلوا عبر إضرابات فئوية أو متفرقة. وبالإضافة إلى المكتسبات المادية لهذا التحرك الكبير، أدرك العمال ما يمثلون من قوة جماعية هائلة.

وهم يعرفون الآن أنه معا، هم أقوى من عندما كانوا يقاتلون كل في شركته أو في حيه. هذه التجربة ستكون مهمة جدا بالنسبة للمستقبل وستبقى في أذهان جميع العمال والجماهير في مارتينيك وجوادلوب. وهذه الطريقة المكتسبة هي الآن جزء من التجربة الجماعية، وليس ثمة شك في أن تتكرر في المستقبل. والعمال يعرفون ويقولون أن هذه ليست إلا أول معركة، ذلك أقله في صدد ما سوف تؤدي به الأزمة العالمية الحالية من تغيير في مستوى الأجور والأسعار. ثم أن أرباب العمل الباحثين عن الانتقام، سوف يحاولون بالتأكيد العودة على كل ما تم تحقيقه خلال الإضراب العام.

فعاجلا أم آجلا، لا بد من البدء من جديد ويتوجب الفعل على نحو أفضل عبر تصحيح العيوب والأخطاء التي ارتكبت خلال الحركة الأولى. الإضراب العام المقبل سيجري على مستوى آخر، مع أهداف على مستوى أعلى، وسوف يندد بأكثر شدة بهيمنة أرباب العمل على المجتمع وسيطرتهم على الاقتصاد.