تدهور البورصة عام 1929 وأزمة الاقتصاد الرأسمالي : حدث من الماضي ذو حاضر لاذع - 2008

چاپ
ترجمة

(النضال العمالي٬ العدد 2098 * 17 اكتوبر 2008 )

بالكاد خرجنا من الحرب العالمية الأولى، حلت أزمة اقتصادية عميقة في الولايات المتحدة في خلال عامي 1920-1921. تراجع الدخل القومي بنسبة 27 ٪، وزادت البطالة بشكل حاد. ثم عاد الاقتصاد لينتعش بسرعة متنامية، على أساس الائتمان العام المتكاثر. وبحلول عام 1929، كان الدخل القومي قد عوض ما يزيد عن التأخر الذي أصابه. ولكن هذه الحالة حيث، كما قيل حينها، "الكل أصبح ثريا" ( " الكل" يقتصر على بضع مئات من آلاف شخص)، كان ذلك على أساس نفس التناقضات السابقة : الإنتاج يتضخم في سوق لا يعرف أحد حدوده. الزيادة في الأرباح الناتجة عن زيادة الإنتاج المحموم أزادت أرباح الأسهم العائدة للرأسماليين، مما تسبب بدوره في انفجار أسعار الأسهم في البورصة، حيث المضاربة على الأرباح... المستقبلية. وهكذا أصبحت زيادة أسعار الأسهم تتغذى من نفسها، مما جعل المزايدات تبتعد أكثر فأكثر عن الواقع الاقتصادي. وهذا الازدهار في المزايدة لم يتعداه إلا الاستعراضات المالية في أيامنا الحالية.

كلما اتضحت مشكلة فائض الإنتاج، كلما قلت الثقة حيال الأرباح الممكنة عبر الاستغلال "الاعتيادي" للعمال، كلما تفاقمت البورصة لتقدم بالتالي "بضائع مالية" بعيدة أكثر فأكثر عن القيمة الأساسية للشركات التي تتكئ عليها قيمتها. كما الآن، كان الوضع آنذاك يعتمد على الاعتقاد بأن قيمة البورصة سوف ترتفع بشكل لا متناهي. كان الشراء منتشر بكثرة، وذلك بواسطة الاقتراض بنسبة 6%، 7% أو حتى 12% مع الظن "بشكل أكيد" أن قيمة الأسهم سوف ترتفع بنسبة 50% أو حتى 100%. الكل بدأ بفعل ذلك، البرجوازي الصغير كما الكبير. تم أنشاء مؤسسات مالية للقرض متخصصة بالمضاربة، على رأسها بنوك معروفة جدا، مثل Goldman Sachs وCity Bank اللتان تصدرتا الوقائع مؤخرا. الشركات الكبيرة وضعت ودائعها في هذا السوق بما أن مردوده أكبر من مردود الإنتاج الطبيعي للبضاعة. الاستثمارات أتت من أوروبا بأكملها. رئيس الولايات المتحدة، Coolidge عند تنحيه عن السلطة في آذار 1929، وعد بأن ذلك سوف يستمر مؤبدا. بلغت حمى المضاربة ذروتها في صيف عام 1929، في حين أنه في الأشهر الأخيرة ظهرت علامات ضعف على الطلب على المنتجات الصناعية.

هذا الارتفاع المحموم لأسعار الأسهم، الذي استندت عليه المضاربات، ما كان إلا أن يتحول إلى انهيار عام للاقتصاد.

تحطم البورصة وانهيار الاقتصاد

يوم الخميس 24 تشرين الأول/أكتوبر أعطى إشارة انخفاض أسعار الأسهم مع 13 مليون سهم متبادل، أي ما يساوي ضعف ما هو متبادل في أكبر الدورات. لم يطلق عليه اسم "الخميس الأسود" إلا ملحقا، لأن سقوط أسعار الأسهم في ذلك اليوم لم يبلغ، وفقا لمختلف المؤشرات في تلك الحقبة، "إلا" 11 إلى 13 ٪. لم يكن في ظن أحد أن ذلك سوف يسبب انهيار ما، إذ أن انخفاضات عديدة كانت قد حصلت مسبقا. إلى جانب ذلك، فهذا الانخفاض لحقه يومان من ارتفاع في أسعار الأسهم.

ولكن في 29 تشرين الاول / اكتوبر كان الانخفاض أكثر وحشية، ففي هذه المرة تم تبادل 16 مليون سهم، الأمر الذي أطلق إشارة الهلع العام.ففي 1 كانون الثاني / يناير عام 1930، الأوراق المالية الصناعية "القوية" مثل وديبون دي Nemours وكرايسلر ، قد انخفضتا بنسبة 90٪ و 96٪ بالتتالي. أما قيمة الأوراق الصغيرة التي أنشأتها المصارف وغيرها من المضاربين الأغنياء، فإنها سرعان ما وصلت إلى... الصفر. تضاعفت حالات الإفلاس في المصارف، إن كان بسبب امتلاكها لأسهم فاسدة فحسب بل لأن الكثير من هذه الأسهم قد أصبح من المتعذر تحليله في السوق، وكذلك الحال في جميع قطاعات الاقتصاد.

إن أعمق أزمة اقتصادية في تاريخ الرأسمالية نشأت في الولايات المتحدة، منتشرة لاحقا في جميع أنحاء العالم. خطوة بخطوة، سقط كامل اقتصاد الولايات المتحدة، الأغنى في العالم (40 ٪ من الثروة العالمية)، منتهيا إلى الركود العام، لا يعمل في بعض القطاعات، كإنتاج الصلب، إلا عند عشر إمكانياته.

في عام 1932، بلغ انخفاض الدخل الوطني مقدار النصف مقارنة مع العام 1929. ارتفع عدد العاطلين عن العمل إلى 16 وحتى 20 مليون، حسب المصادر، أي ما يوازي أكثر من 25 ٪ من السكان القادرين على العمل. ، في حين أن أكثر من 60 ٪ من الموظفين كانوا مجبرين بالاكتفاء بنصف دوام عمل، مع أجور ضئيلة خفضت بشكل متعسف من قبل أرباب العمل.

وضع ثمن هذه الأزمة على عاتق الطبقة العاملة الأمريكية، والمزارعون الصغار، مما جعلهم يعيشون الفقر وحتى الجوع. أوروبا بأكملها أصيبت. في المقام الأول ألمانيا، ذو الاقتصاد المقيض بسبب "تعويضات الحرب" المستحقة لفرنسا، والتي كانت تعيش على رؤوس الأموال الأميركية، التي اختفت مفاجأة.

إنتاج مشلول جزئيا لعدة عقود

خلافا للأسطورة المفبركة من قبل "الديمقراطيين" على أنواعهم وغيرهم من الاشتراكيين الديمقراطيين، فإن الأزمة لم يسيطر عليها روزفلت أو غيره من "الديمقراطيين". فعلى سبيل المثال، لم يستعيد إنتاج السيارات في الولايات المتحدة مستوى ما قبل الأزمة إلا في عام 1953. أما البورصة، وجب انتظار العام 1954 لاستعادة مستواها في عام 1929.

في الولايات المتحدة، لم تستأنف الصناعة إنتاجها بشكل فعلي ودائم إلا في سبيل الحرب، ابتداء" من العام 1941. وسياسة ال" New Deal" الشهيرة، أي سياسة التدخل من قبل الدولة الأميركية، إذا وفرت العاطلين عن العمل بعض الدعم للبقاء على قيد الحياة، فإنها لم تؤدي بأي شكل إلى التغلب على الأزمة الاقتصادية، لكنها سمحت للشركات الكبيرة بالثراء، مشترية في سبيلها تعاون البيروقراطيين في الاتحادات العمالية.

في أوروبا ، حيث إمكانيات البرجوازية كانت محدودة أكثر،أدت هذه الأزمة إلى الديكتاتورية الفاشية في ألمانيا التي عملت على كسر الطبقة العاملة. كل ذلك أدى في النهاية إلى الحرب العالمية الثانية من أجل إعادة تقسيم العالم بين مختلف الإمبرياليين، والتي من خلالها تمكنت الولايات المتحدة إلى فرض هيمنتها الاقتصادية في العالم.

وضع حد لنظام مجنون

الأزمة في عام 1929 مع نتائجها كشفت التسوس العميق في النظام الرأسمالي غير القادر على تطوير القوى الإنتاجية بما يسمح به التطور التقني الذي أشلته الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. صحيح أن الرأسمالية قد نجا في النهاية، هذه هي الحجة الوحيدة للمدافعين عنه. ولكن ذلك بأي ثمن؟ كان ذلك على حساب الفوضى والتبذير العام، مع البؤس التي رافقه على مدى عقود، والتدمير الهائل، وعشرات الملايين من الوفيات.

الشيوعيون الثوريون أكدوا دائما، منذ ماركس، على الحاجة إلى ثورة اجتماعية تقوم على رغبة واعية لملايين من العمال، في سبيل إنشاء مجتمع جديد. في السنوات التي أعقبت الأزمة، ردت الطبقة العاملة بقوة، سيان في الولايات المتحدة وفي أوروبا، ولا سيما في فرنسا وخاصة في أسبانيا، حيث أنها كانت على أبواب السلطة. ولكن نظرا لعدم وجود قيادة ثورية مستعدة لقيادة المعركة حتى النهاية من أجل الانتهاء من النظام الرأسمالي، فهذه المعارك ظللت بسبب خيانة الزعماء الاشتراكيين الديمقراطيين و الزعماء الستالينيين أيضا.

ولا يستطيع احد أن يقول ما الذي سيحدث للأزمة الراهنة، لكن أزمة عام 1929 أظهرت إلى أي مدى يستطيع قادة الاقتصاد وخدمهم السياسيون للذهاب من أجل ضمان بقاء نظامهم. ذلك أنه بدلا من تجربة ذلك مرة أخرى، عبر الفقر "والدم والدموع"، فمن مصلحة الطبقة العاملة والمجتمع بأكمله ليس فقط عدم ترك أيادي الرأسماليين حرة، بل منعها لمرة واحدة وأخيرة عن الأذى.

بول سوريل