مجلة النضال الطبقي عدد 88 - إبريل-مايو 2005
ما نسف انفجار يوم 14 فبراير الأخير ببيروت السيارة التي كانت تقل الوزير الأول الأسبق رفيق الحريري، مؤدية بحياته وحياة عدد من مرافقيه، وحسب. بل نسف أيضا التوازن السياسي الهش السائد بالبلد منذ نهاية الحرب الأهلية التي دامت سنوات 1975-1990. إن جزءا كبيرا من المشاكل التي كانت سبب اندلاع الحرب الأهلية، و لم تحلها هذه الأخيرة، عادت إلى الظهور بجلاء. لكنها تبرز الآن في سياق مغاير: سياق شرقين أدنى وأوسط مهتزين بقوة بفعل التدخلات الأمريكية وما تلقاه من مواجهة، وأيضا بفعل استمرار النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
تجعل مميزات البلد ، وتاريخه، الأزمة اللبنانية تقدم بطريقتها مركزا لأزمات تطال شرقين أدنى وأوسط منقسمين وممزقين ينذر توازنهما بالاختلال في كل لحظة.
انقسامات طائفية عززها الاستعمار الفرنسي
إذا كان النزاع العربي الإسرائيلي إلى حد بعيد إرثا لسياسة بريطانيا الاستعمارية، التي قررت تشجيع الهجرة اليهودية ضد السكان العرب، للتحكم فيما استولت عليه غداة الحرب العالمية الأولى من أراض كان تابعة للإمبراطورية العثمانية القديمة، فإن الانقسامات الطائفية بلبنان، وحتى وجوده بصفته دولة منفصلة عن الجارة سوريا، هي إرث مباشر للسياسة الاستعمارية الفرنسية.
فبعد تقسيمهما الشرق الأوسط إلى مناطق نفوذ وفق اتفاقات سايكس بيكو عام 1916، قررت فرنسا وبريطانيا في مناطقهما الخاصة، تطبيق قاعدة فرق تسد. وبعد انهيار الإمبراطورية العثمانية الفعلي في نهاية الحرب العالمية الأولى، ستفعل بريطانيا تلك القاعدة في مناطق نفوذها المتمثلة حاليا في العراق والأردن وفلسطين وإسرائيل، وفرنسا في المناطق المتمثلة حاليا في سوريا ولبنان.
أعلنت فرنسا منذ أمد طويل نفسها حامية للطائفة المسيحية المارونية بجبل لبنان، وهي المنطقة الواقعة شرق وشمال شرق بيروت، وتدخلت بها عسكريا عام 1860. وبعد الحرب العالمية الأولى، ما رضيت فرنسا بتقاسم ما كان سابقا منطقة عربية واحدة مع شريكتها بريطانيا تقسيما تعسفيا، فقامت بتقسيم ما آل إليها من تلك الأراضي. وعلى هذا النحو، جرى خلق لبنان خلقا بما هو دولة مستقلة عن سوريا. ولهذه الغاية ضمت السلطات الاستعمارية لجبل لبنان المسيحي منفذ بيروت البحري، علاوة على مناطق أخرى مدبرة على نحو يظل المسيحيون إجمالا أغلبية رغم كل شيء. وبذلك شكلت حول بيروت وجبل لبنان أكبر بلد بأغلبية مسيحية ممكن، مراهنة على اضطرار هذا البلد، في حال حصوله على الاستقلال، إلى التحالف مع البلدان الغربية، وبوجه خاص مع البلد الذي كان نصب نفسه "حاميا تاريخيا" أي فرنسا.
لذلك وجب أيضا ضمان استمرار معيار الانتماء الديني معطى أساسيا في الحياة السياسية اللبنانية. جرى ذلك بخلق مؤسسات لبنانية مرتكزة على الطوائف الدينية، مواصلة ببساطة تطبيق نظام عهد الإمبراطورية العثمانية، الذي كان يحدد المواطن بانتمائه لإحدى تلك الطوائف. وبينما جعلت ثورة كمال أتاتورك من تركيا دولة علمانية، ومن سكانها مواطنين متساوين أمام القانون، مبدئيا بالأقل، لم تجد فرنسا الإمبريالية أفضل من إعادة تعزيز بنيات إقطاعية متجاوزة تاريخيا، في قطعة من الإمبراطورية العثمانية المنهارة: لبنان. وعلى هذا النحو جرى إضفاء طابع مؤسسي على الطوائف الدينية اللبنانية السبعة عشر، مما أدى إلى منح السلطة، في كل طائفة، إلى بعض كبار الإقطاعيين أو العائلات الثرية المستمدة نفوذها من ثروتها. و كان التوازن السياسي على المستوى الوطني - إن جاز القول- مبنيا على تسوية بين مختلف الطوائف، أو بالأحرى بين مختلف زعماء الزمر المهيمنين عليها.
أما في سوريا، فلم تنجح محاولة مماثلة لتقسيم البلد تبعا لخطوط فصل الطوائف الدينية. بيد أن لبنان قام، عند استقلاله عام 1943، على قاعدة ذلك النظام السياسي متعدد الطوائف. إذ قضى «ميثاق وطني» غير مكتوب بتقسيم السلطات بين مختلف أقسام البرجوازية: فتسند رئاسة الجمهورية إلى مسيحي ماروني، ومنصب الوزير الأول إلى مسلم سني ومنصب رئيس البرلمان إلى مسلم شيعي. كما يلزم مراعاة «توازن» في توزيع الوظائف العامة وتشكيل الوزارات، أي أن البلد والدولة مقسمان بين زبائن مختلف الزمر المبنية على أساس الطوائف الدينية.
لم يكن بد، في آخر المطاف، من انفجار نظام من ذلك القبيل، فانفجر. غير أنه كان تو إنشائه يضمن هيمنة الفئات ذات الامتيازات بالبلد، لاسيما البرجوازية المارونية، وتحالفها مع الإمبريالية، خاصة الفرنسية. وأتاح وضع بيروت، المفصولة عن باقي البلدان العربية وبوجه خاص سوريا المضطربة بفعل توترات قومية، تحويلها إلى موقع مالي متحكم بجزء كبير من المبادلات التجارية والمالية بين منطقة الشرق الأوسط والبلدان الغربية، وذلك كله لصالح البنوك الفرنسية التي كانت فد أمنت لنفسها المكانة الأولى في القطاع المصرفي اللبناني، منفردة أو بتشارك مع العائلات الثرية المحلية.
1975، اندلاع الحرب الأهلية
رغم كل شيء، لم تبق بيروت بمنأى عن التيارات التي اخترقت العالم العربي في سنوات50 و60، رافضة الوجود الإمبريالي ونظام السيطرة الذي أقامته القوتان الإمبرياليتان العريقتان، نظام استمر رغم أن الإمبريالية الأمريكية كانت قد أزاحت أكثر فأكثر تلك القوتين الإمبرياليتين وقامت مقامهما. واقترن تصاعد الاستياء الاجتماعي مع صعود القومية العربية والآمال والتضامن والحماس الذين أثارهم الكفاح الفلسطيني، لا سيما بلبنان حيث كان آلاف فلسطينيي مخيمات اللاجئين المنظمين سياسيا وعسكريا، في صلة مباشرة مع فقراء ضواحي بيروت.
كانت أحداث مارس 1975 بمدينة صيدا شهادة على درجة التوتر الاجتماعي والسياسي. فقد أدى قمع الجيش اللبناني لمظاهرة بحارة، واغتيال النائب الناصري معروف سعد، الى اندلاع انتفاضة حقيقية. وإزاء ذلك الوضع المتفجر، قرر حزب اليمين المتطرف «الكتائب» تقدم غيره. وكان وابل الرصاص الذي أطلقته ميليشياته يوم 13 إبريل عام 1975، مغتالة 27 فلسطينيا عائدين من اجتماع، مفجرا للحرب الأهلية.
وبسرعة انقسم لبنان إلى معسكرين. وبوجه ميليشيات اليمين المتطرف المسيطرة على الأحياء الثرية -ذات اغلبية المسيحية في الغالب- برز معسكر سمى «فلسطينيا-تقدميا». وسيطرت ميليشيات الأحزاب اليسارية اللبنانية، بدعم من تعبئة شعبية حقيقية، على الأحياء الفقيرة، متحالفة مع الميليشيات الفلسطينية. وتبلور تضامن طبيعي بين الفلسطينيين والسكان اللبنانيين الفقراء. وتجلت إمكانية تغيير ثوري، على أساس هكذا تعبئة للجماهير الفقيرة اللبنانية والفلسطينية. ولعله كان بوسع الحركة تجاوز التباينات الطائفية القديمة، والحصول على تضامن الجماهير الشعبية بالبلدان المجاورة للنضال معا ضد الأنظمة القائمة، نظامي لبنان وإسرائيل طبعا، لكن أيضا أنظمة بلدان عربية أخرى، بدءا بديكتاتورية حافظ الأسد بسوريا. لكن مختلف القوى ذات المصلحة في بقاء الوضع القائم كتلت جهودها لمنع ذلك.
بادئ ذي بدء، لم يكن داخل ما سمى بالمعسكر «الفلسطيني-التقدمي» ذاته قيادة ثورية حازمة، عازمة على نهج سياسة من ذلك القبيل. فتمكنت القيادات التقليدية من السيطرة بسرعة على الوضع. وأعلن القادة الفلسطينيون، عرفات بالمقام الأول، وجوب اقتصار الحركة الفلسطينية على الانشغال بفلسطين وحدها، والامتناع في جميع الأحوال عن التدخل في نزاعات لبنان الداخلية. واضطلعت الأحزاب اليسارية والأحزاب البرجوازية الإسلامية اللبنانية بقصر أهداف الحركة في إصلاح تافه للنظام السياسي.
ساهم كلا المعسكرين في تغيير طابع المواجهة. فمن نزاع اجتماعي وسياسي بين «الفلسطينيين-التقدميين» واليمين المتطرف، اكتسى الأمر أكثر فأكثر سمات حرب بين معسكر مسلم وآخر مسيحي. وأدت بعض المذابح المقترفة ضد مسلمين أو مسيحيين دون تمييز- حيث أن الانتماء الديني مسجل في بطاقة الهوية- إلى تأجيج الضغينة ودفع من لم يصطفوا على أساس هذا الانتماء، لا سيما مسيحيين عديدين كانوا في الجانب «الفلسطيني-التقدمي»، إلى إتباع القادة الطائفيين.
لكن بعد عام من الحرب الأهلية، كان لدى اليمين المتطرف المسيحي وحماته الإمبرياليين من الأسباب ما يحملهما على التخوف. فقد تراجع معسكرها على كل الجبهات بوجه معسكر «فلسطيني-تقدمي» على وشك الانتصار العسكري. آنذاك تلقوا مساعدة غير منتظرة: من سوريا.
التدخل السوري
فعلا كان المتدخل في لبنان في ربيع عام 1976 هو الجيش السوري، قصد نجدة اليمين المتطرف بدحر ميليشيات المعسكر «الفلسطيني-التقدمي». وهكذا جرى تسليم مخيم تل الزعتر، المعزول وسط المعسكر المسيحي، إلى «الكتائب» التي اقترفت به مذبحة حقيقية. هكذا أصبحت أراضي لبنان مقسمة إلى عدة قطاعات، تسيطر عليها مليشيات متعددة، تحت رقابة الجيش السوري. وعلى هذا النحو كان نظام حافظ الأسد السوري يفرض نفسه بما هو القوة القادرة بلبنان على ضمان توازن قوى محترم لسلطة البرجوازية المسيحية التقليدية والقسمة التي أنجزتها الإمبريالية. وكانت تقوم بذلك بتواطؤ مع القادة المسيحيين اللبنانيين وحماتهم الغربيين، ومع إسرائيل، وأيضا مع القادة العرب، قليلي الاهتمام برؤية انقلاب المشهد السياسي بالمنطقة ببروز سلطة «تقدمية» ببيروت.
رغم ذلك، استمرت الحرب الأهلية إلى عام 1990، مطبوعة بفصول عديدة. في عام 1978، اجتاحت إسرائيل جنوب لبنان قصد إقامة منطقة عازلة دائمة، تحت تحكم ميليشيات لبنانية مسلحة وممولة من طرفها. وفي عام 1982 وبأمر من شارون، تقدم الجيش الإسرائيلي هذه المرة حتى بيروت في مسعى منه لطرد جميع الميليشيات الفلسطينية منها وإقامة سلطة حليفة لإسرائيل تحت رئاسة قائد الكتائب، بشير الجميل. لكن اغتيال بشير الجميل بعد ذلك بقليل، بإيعاز من سوريا ولا شك، قاد إلى السلطة أخاه أمين الجميل، الأكثر استعدادا لعقد تسويات مع دمشق. غير أن ميليشيات اليمين المتطرف انتقمت من الفلسطينيين، بارتكاب مذبحة في مخيمي صبرا وشاتيلا الفلسطينيين في سبتمبر 1982. ثم حل فصل تدخل «قوة متعددة الجنسية» (أمريكية وفرنسية وإيطالية وبريطانية)، التي انتهى بها الأمر إلى مغادرة بيروت عام 1984 بعد عمليتين داميتين بوجه خاص، ضد ثكنة أمريكية وأخرى فرنسية.
وعلاوة على تلك التدخلات الأجنبية العديدة، استمرت المواجهات بين مختلف الميليشيات اللبنانية والفلسطينية: عام 1983، وقعت معركة طرابلس بين سوريا والميليشيات السنية، وعام 1983، معركة الشوف التي سيطرت على إثرها الميليشيات الدرزية التابعة لوليد جنبلاط على تلك المنطقة. وشهدت سنوات1985 إلى 1988 حرب المخيمات التي أشعلت مليشيات أمل - المدعومة من طرف سوريا- فتيلها ضد المخيمات الفلسطينية. وفي سنوات 1988-1989، وقعت «حرب التحرير» المزعومة التي شنها الجنرال ميشال عون ضد سوريا، بدعم من فرنسا. لكن تشكلت، في الجنوب، المستفيد من دعم إيران، ميليشيات حزب الله، مسيطرة أكثر فأكثر على هذه المنطقة ذات أغلبية شيعية ومنظمة عمليات عسكرية ضد إسرائيل.
ولن تنتهي الحرب الأهلية إلا في أواخر 1989، على إثر عقد اتفاقات بمدينة الطائف السعودية. إن هذه السلسلة المذهلة من المذابح والتدخلات الخارجية والتلاعبات والخيانات وتغيير التحالفات، وهذه التشكلات المتعاقبة لميليشيات حامية لهذه القوة أو تلك، ناهيك عن الحصيلة المرعبة لـ15 سنة من المعاناة الإنسانية والدمار المادي، أفضت إلى تسوية سياسية غامضة لم تغير في الجوهر أي شيء.
وإزاء محاولات جعل لبنان رأس جسر قوى غربية شبيه بإسرائيل، تم الإقرار بأن لبنان دولة «عربية الانتماء والهوية». وتم فرض تمثيل مختلف الطوائف الدينية بمساواة أكبر في قمة الدولة، كمرحلة أولى مبدئيا قبل «إلغاء الطائفية السياسية». وفي آخر المطاف نص اتفاق الطائف على نزع سلاح الميليشيات وتجميع القوى السورية في سهل البقاع، المتاخم لسوريا، قبل انسحابها الشامل بشكل مواز لانسحاب القوى الإسرائيلية.
لم تكن محاولات مختلف الدول، والطوائف المتعددة في الداخل، لتغيير ميزان القوى لصالحها، تفضي في الواقع سوى إلى إنهاك متبادل للأطراف. ونتيجة لعبة حاذقة، جرى الاعتراف مرة أخرى بسوريا حكما للوضع اللبناني وضامنا لتوازن مختلف الطوائف. وحصلت لأجل ذلك على كفالة البلدان العربية الأخرى، وعلى كفالة البلدان الإمبريالية أيضا وموافقة إسرائيل الضمنية. وفي عام 1991، توج كل ذلك بتوقيع «اتفاق الأخوة والتعاون» بين سوريا ولبنان.
«إعادة الإعمار»
نصب رفيق الحريري وزيرا أولا من عام 1992 إلى عام 1998، ثم من عام 2000 إلى 2004، وكان يقدم بما هو رجل «إعادة الإعمار». فبعد تعيينه على رأس لبنان، رغم انحداره من عائلة فقيرة، واغتنائه في البناء العقاري بالعربية السعودية، سعى جاهدا فعلا «لإعادة إعمار» لبنان معين: لبنان الفئات الثرية. فبعد أن دمرت الحرب بيروت، جرى تجهيزها ببعض الأحياء العصرية جدا، والمباني الفخمة والبنايات التجارية الكبيرة، مساهمة في اغناء عائلة الحريري ومقاولاتها في البناء وملكيتها العقارية، إلى حد أمكن القول إن تلك الزمرة من أصحاب الملايير تملك نصف البلد. أما الدولة اللبنانية التي شهدت دوينها ارتفاعا جنونيا قصد تمويل أعمال الحريري الفرعونية، إلى درجة أن ديونها العمومية، التي ازدادت خلال بضعة سنوات، تبلغ حاليا حوالي 40 مليار دولار في بلد يقل سكانه عن أربعة ملاين نسمة. وأخيرا، فترك لبنان الفئات الأفقر، الذي دمرته الحرب، على حاله، أي في بؤسه.
كان الحريري يتميز في الواقع، علاوة على ثروته، بخاصية سياسية: خاصية مراعاة جانب كافة حلفائه. فقد سعى، طيلة الحرب الأهلية، إلى توزيع التمويل بين جميع الميليشيات. وكان يحظى بدعم الأسرة الحاكمة بالعربية السعودية، وأضاف إليه مساندة الدول العربية الأخرى، والولايات المتحدة وكذلك الرئيس الفرنسي شيراك الذي أصبح الحريري، حسبما يقال، أحد مصادر تمويله. وحتى داخل البلد كان فطنا إلى حد ما في إتقان التقاسم في مجال الأعمال، وإتاحة فرض الاغتناء لأقسام أخرى من البرجوازية اللبنانية. وأخيرا عرف كيف يربط أيضا علاقات تعاون جيدة مع سوريا ونظام حافظ الأسد ثم نجله بشار، وكيف يحافظ في الآن ذاته على إمكانات قيام البرجوازية اللبنانية بلعبتها الخاصة.
وعلى هذا النحو، بعد التوقف الناجم عن الحرب الأهلية، استعادت بيروت والبنوك اللبنانية تدريجيا دورهما كمركز مالي بمنطقة الشرق الأوسط. وبينما كان قسم من السكان يغرق في البؤس، استعادت البرجوازية وقسم من البرجوازية الصغيرة اللبنانيتان مكانتهما كوسيطين تجاريين وماليين مفضلين لدى الإمبريالية بالمنطقة، مع الثروة وما يرافقها أحيانا من بذخ وقح.
لكن تجب الإشارة إلى فارق قائم قياسا بوضع ما قبل الحرب الأهلية. فثمة حاليا، بجانب فزمر البرجوازية المسيحية المارونية، زمر برجوازية سنية - كان الحريري رمزا لها - وحتى شيعية، تستعرض ثروة معادلة. وإذا كان نظام الحريري طبعا قد أغناه شخصيا قبل غيره، فإنه أتاح أيضا إثراء نظرائه في الزمر السنية والشيعية والدرزية والمسيحية الأخرى. بهذا المعنى وحده - من وجهة نظر توزيع الثروة بين مختلف الزمر- ربما قام توازن «أفضل» بين الطوائف، أو بالأحرى بين العائلات بالغة الثراء المهيمنة عليها. هذا ما يساعد على فهم شعور العائلات، بعد اغتيال الحريري، بكونها مدينة له.
اختلال توازن هش
لكن ظل ذلك التوازن المستعاد بلبنان بعد عام 1990 غير مستقر مثل الذي ساد قبل عام 1975. كان يترتب، بالداخل، عن موازين القوى بين مختلف الطوائف الدينية التي لم يلغيها قطعا اتفاق الطائف. وفضلا عن ذلك، كان في مركز التأثيرات الخارجية المتباينة بدءا من الرياض إلى دمشق والقاهرة، ثم من باريس إلى واشنطن، ويكفي تغير طفيف لإحدى تلك القوى كي يختل.
والحال أنه كان طبعا للتدخل الأمريكي بالعراق عام 2003 عواقب في العالم العربي برمته. فبعد انتصارها على نظام صدام حسين، صعدت الإمبريالية الأمريكية لهجتها ومطالبها إزاء سوريا. ولما وجد الحكام الأمريكيون حججهم المفضلة، نددوا بسيطرة سوريا على لبنان. وحذا الحكام الفرنسيون حذوهم برفض البقاء بعيدا عن مسألة تخص إحدى مناطق نفوذهم التقليدية كلبنان، عكس ما كان موقفهم من المسألة العراقية. أفضى ذلك إلى التصويت على قرار مجلس الأمن 1559. نص هذا الأخير على إرساء «السلطة الوحيدة والحصرية» لحكومة بيروت وانسحاب «كافة القوى الأجنبية الباقية فيها»، أي أساسا القوى السورية منذ جلاء القوى الإسرائيلية من جنوب لبنان عام 2000.
وبدوره شجع هذا التشكيل الدولي الجديد القوى التي قد تأمل تخفيف حدة الوصاية السورية على لبنان. وتمزق الإجماع الهش داخل البرجوازية اللبنانية القائم على قبول تعاون هامد مع سوريا لانعدام أفضل منه. وكان الحريري، الذي عاد إلى المعارضة في خريف 2004 بعد ترك منصب الوزير الأول لعمر كرامي الموالي لسوريا، ينوي بجلاء العودة بقوة بعد الانتخابات التشريعية المرتقبة في ربيع 2005. تلك كانت ظروف اغتياله، مما سرع وثيرة الأزمة الراهنة.
وهكذا، شجع الوضع الناجم عن اغتيال رفيق الحريري، ودعم الولايات المتحدة الأمريكية، كل من يطالب بانسحاب القوات السورية المرابطة بلبنان، باسم استقلال البلد، متهما النظام السوري بتدبير الاغتيال.
طبعا، تدل ظروف تحضير عملية الاغتيال على أنه كانت لمنفذيها وسائل هامة وتواطؤ واسع مع مختلف السلطات، على مستوى عال ولا شك. كان ذلك يتيح اتهام مصالح الاستخبارات اللبنانية والسورية، وأبعد من ذلك نظام دمشق وحكومة عمر كرامي والرئيس إميل لحود الموالية لسوريا.
لكن إن بدا أن مصالح الاستخبارات السورية متعودة فعلا على هذا الشكل من العمليات، فإنها ليست الوحيدة بالمنطقة، ولا الوحيدة الموجودة بلبنان. ثم حتى بافتراض كون العملية من تدبير مصالح الاستخبارات السورية، يمكن التساؤل عما إن كانت تصرفت فعلا بناء على قرار من حكومتها. قد تعمل بعض تلك المصالح لحساب زمرة ما داخل النظام ضد زمرة أخرى، او حتى لحساب آمرين آخرين. على كل يصعب تبين أي مصلحة لنظام بشار الأسد السوري في تدبير اغتيال الحريري، الذي كان يؤكد، حتى أثناء معارضته لحكومة كرامي المسماة «موالية لسوريا»، سعيه إلى التفاوض مع سوريا لتخفيف وصايتها. وعلى العكس، وطدت عملية الاغتيال وحدة المناهضين للوجود السوري، مع دعم الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.
إذا كانت تشكيلة منفذي الاغتيال المحتملين واسعة، فإن الاحتمالات بشأن مدبريه أوسع، ويمكن البحث عنهم حتى في إسرائيل أو المصالح الغربية التي قد تسعى إلى خلق مصاعب للنظام السوري، بالضبط في الوقت الذي يتهم فيه الرئيس الأمريكي جورج بوش سوريا وإيران ويعلن تقربه من فرنسا حول مسائل الشرقين الأدنى والأوسط.
ارتسام المعسكرات.
خلال المظاهرات التي تعاقبت ببيروت منذ اغتيال رفيق الحريري، برزت جبهة مناهضة لسوريا تضم أحزاب اليمين واليمين المتطرف المسيحي التقليدية، ولكن أيضا جبهة القائد الدرزي وليد جنبلاط، زعيم ما يدعى «بالحزب الاشتراكي التقدمي» عضو الأممية الثانية وهو في الواقع بارون قطاعي بمنطقة الشوف. إن سخط قسم من السكان بعد عملية الاغتيال، وتقززهم من النظام البوليسي الذي أقامته مصالح الاستخبارات اللبنانية والسورية، قد خلق مساحة ملائمة للتظاهر ضد الوجود السوري وضد النظام اللبناني المتعاون مع سوريا، باسم «استقلال» لبنان.
ويمكن جزئيا فهم شعور من شارك بالمظاهرات على هذا النحو بعد اغتيال الحريري. لكن شعار «نزعة الاستقلال» هذا الذي نادى به قسم من البرجوازية اللبنانية حيال سوريا يخفي وراءه طموحا تقليديا كان مبتغى البرجوازية المسيحية، والذي لم يعد حاليا، على ما يبدو، حكرا عليها. فهي قد تأمل الإفادة أكثر من انفصالها عن سوريا وبقية العالم العربي قصد الحفاظ على دور لبنان كمركز مالي وتجاري وملاذ للرساميل. وقد تفكر حتى في جعل البلد شبيها بإسرائيل ثانية عربية ومسيحية أو درزية. إن تصريحات بوش وشيراك وما تستعرضه إسرائيل من قوة يشجع دوريا هذا النوع من التوجه، كما شهدنا خلال الحرب الأهلية. لكن مما له ، بهذا الصدد، بالغ الدلالة بحد ذاته اعتبار تلك الحركة شخص رجل الأعمال الحريري بطلا لها. إن الوزير الأول الأسبق الذي وفصف بعد اغتياله بمناضل «إعادة إعمار» لبنان ومجد فالبلد، ومثابر على مساعدة الفقراء والضعفاء، قد كان بوجه خاص فاعلا لمركنتيلية جامحة ولاستدانة الدولة والخصخصات لصالح بعض العائلات، والثراء المستفز لأقلية تاركا الأفقر في بؤسهم. كما لم تتردد حكومته في استعمال القمع ضد معارضيها. هكذا كانت حكومة رفيق الحريري من اصدر الأمر للجيش اللبناني بإطلاق النار، يوم 27 ماي 2004، على متظاهرين احتجوا على غلاء المعيشة خلال يوم الإضراب العام الذي دعت له نقابة الاتحاد العام للعمال اللبناني CGTL.
طبعا، لا شك أن اغتياله والمناخ البوليسي والتواطؤات التي يشهدها لبنان، يثير استياء صادقا لدى البعض. لكن عندما تمدح منظمات سياسية - متبوعة حتى بقسم من الحزب الشيوعي- شخصية الحريري وترفع صوره في المظاهرات، فإنها تعلن في الآن ذاته عن البرنامج السياسي لـ«نزعة الاستقلال» اللبنانية تلك. هذه لا تعني نزعة استقلال إزاء الإمبريالية، بل تطلعا الى درجة اكثر صراحة في القيام بدور ممثل لها، إقتداء بمثال الحريري .
تمثلت إحدى أشنع سمات تلك السياسة في موجة كره الأجانب السوريين التي طورتها عمدا أهم منظمات تلك «الجبهة اللبنانية». ترتكز هذه الأخيرة منذ أمد بعيد، على وجود تجاوزات فعلية ارتكبتها مصالح المخابرات السورية بلبنان بقصد تطوير فكرة مفادها أن أي سوري مقيم بالبلد عميل لنظام دمشق وجعله كبش فداء. هكذا كان العمال السوريون المهاجرون بلبنان، حيث يمارسون أشق الأعمال الأكثر بأجور بؤس، غالبا في الفلاحة والبناء، أول ضحايا موجة الاحتقار هذه، التي تذكيها البرجوازية والبرجوازية الصغيرة اللبنانيتان وحيث يمتزج كره الأجانب بالحقد الطبقي. وبعد اغتيال رفيق الحريري، اتسعت موجة اعتداءات واغتيالات حقيقية مستهدفة عمالا سوريين، مخلفة بينهم، خلال شهرين، ما لا يقل عن ستين قتيلا، اختطفوا وضربوا حتى الموت، وأحيانا أحرقوا في خيام بؤسهم. هذا إلى درجة أن قسما كبيرا من العمال السوريين فروا من لبنان.
لكن برنامج «نزعة الاستقلال» لا يحظى بإجماع اللبنانيين. ذاك ما شهدناه يوم 8 مارس، لما نجح حزب الله، ردا على المظاهرات المناوئة لسوريا، في تنظيم مظاهرة معادلة حجما، بمشاركة مئات آلاف الأشخاص قدموا أساسا من المناطق الشيعية بالجنوب. إن قادة حزب الله المستفيدين من دعم سوريا وإيران، والمنغرسين في أفقر المناطق وبين أفقر السكان، والمتوجين بهالة مقاومة إسرائيل التي أجبروها على سحب جيوشها من جنوب لبنان،لا يأملون حاليا أي شيء من «نزعة الاستقلال» لدى الجبهة اللبنانية الموالية للإمبريالية، وحتى لإسرائيل، والتي قد يصبحون من جهة أخرى هدفا من أهدافها.
هكذا أدت مناورات البعض والبعض الآخر، خلال أسابيع قليلة، إلى بعث تعارضات لم تتبدد بتاتا، رغم تجمدها في نهاية الحرب الأهلية. ونرى أنها ربما لا تحتاج سوى القليل كي تؤدي ثانية إلى نزاع معلن. لا يعود ذلك، على ما يبدو، إلى وجود حقد حقيقي بين الطوائف بلبنان. وإن جرى تأجيج هكذا مشاعر أثناء الحرب الأهلية، فقد تلاشت بعد نهايتها.
وكما دلت أوضاع أخرى عديدة، فإن مجرد تنظيم القوى السياسية على أساس الطائفية، التي تشكل وسيلتها لتأبيد النفوذ وترسيخه، وغياب قوى سياسية عازمة فعلا على النضال من أجل أهداف تتجاوز عوائق مختلف الطوائف، قد يضفي بسرعة على الأزمة السياسية طابع مواجهة طائفية.
تشابك وضع الشرق الأوسط
في الآن ذاته، و إزاء الوضع المترتب عن اغتيال الحريري والضغوط الغربية، قرر نظام دمشق سحبا سريعا لقواته من لبنان. لقد ورد هذا السحب في اتفاق الطائف وألح عليه قرار الأمم المتحدة 1559، لكن لا ريب ان ذلك القرار يضمر حسابا مؤداه أن غياب «الحماية» السورية لن يؤدي سوى إلى عودة الحرب الأهلية عاجلا أو آجلا. إن جبهة جنبلاط مع الأحزاب المسيحية بقصد المطالبة بانسحاب القوات السورية قد تنفرط بسرعة بعد جلاء هذه القوات. وإذا احتدت المواجهة المرتسمة، فقد يسارع بعض المنددين حاليا بشدة وصخب بوجود سوريا إلى الاستنجاد بها ثانية أو قبولها حكما كما حدث عام 1976.
كما قد يخفي انسحاب قوات دمشق مساومة أكثر إجمالا وسرية مع حكام الإمبريالية، ليس حول الوجود السوري بلبنان وحسب، بل أيضا حول دورها في دعم حرب الغوار السنية بالعراق وحول مسألة الجولان السوري المحتل.
سنرى لاحقا فحوى الدبلوماسية السرية لحكام الإمبريالية هذه، ناهيك عن تدخل مختلف مصالح مخابراتها المراقب إلى هذا الحد أو ذاك. لكن بات بالإمكان ملاحظة أن مفاعيل التدخل الأمريكي بالعراق كان لها ثمة أيضا وقع. فبعد إطاحة نظام صدام حسين، بحثت قوات الاحتلال عن تأييد في البنيات التقليدية، وفي المقام الأول بين مختلف الأعيان والسلطات الدينية. وتكمن النتيجة، بصرف النظر عن سلطة الواجهة التي تمثلها الحكومة التي أقامتها الولايات المتحدة الأمريكية، في تقسيم فعلي للعراق بين مناطق كردية و شيعية و سنية، أي في الواقع في تقسيم طائفي، ناهيك عن الانقسامات داخل تلك الطوائف ذاتها. ويلتمس مختلف قادة تلك الطوائف بدورهم، ويجدون دعما من جانب مختلف مصالح الدول المجاورة، سوريا بالنسبة للسنيين وإيران بالنسبة للشيعة.
يثرثر الصحفيون الغربيون حول «إضفاء الديمقراطية» السائر، بفضل التدخل الأمريكي، في كسب العالم العربي برمته، والتي تدل عليه الأحداث بلبنان كما الانتخابات بالعراق أو فلسطين . لكن هل يرجى غير ذلك من أناس تعودوا الحكم على الأحداث وفق ظاهرها و تصريحات قادة رسميين؟ لكن الواقع مغاير. إن الانقسامات الطائفية القائمة منذ أمد طويل بلبنان تندرج حاليا في حركة أوسع، كما لو أن خريطة الدول التي أقامتها القوى الاستعمارية بالشرق الأوسط سائرة إلى التفكك طبقا لخطوط جديدة.
يقود كل من الحكام الإمبرياليين، وإسرائيل والدول الإقليمية مثل سوريا ولبنان وحتى تركيا، لعبته الخاصة في ما يبدو بداية «إضفاء طابع لبناني» (لبننة) حقيقي على المنطقة، وتقسيمها وفق التباينات الطائفية والدينية بين مختلف المناطق التي تتحكم بها ميليشيات متباينة الولاء. ورغم أن سكان لبنان، الذين عاشوا 15 سنة من حرب أهلية فظيعة، قد يمتنعون عن استئناف تلك المواجهات، فليس مؤكدا إفلاتهم من ذلك المنطق القائم حاليا على نطاق أوسع بكثير من لبنان والجانح الى ضمهم .
الطوق الطائفي
إن الوضع صعب، بلبنان كما بالشرق الأوسط برمته، بالنسبة للمدافعين عن مصالح الطبقة العاملة والجماهير المستغلة ومستقبلهما والراغبين في تقديم منظور لهما.
كان بلبنان بوجه خاص، حزب شيوعي نسبي التأثير، وكان أيضا المنظمة الوحيدة متعددة الطوائف. لكنه شهد ضعفا تدريجيا خلال الحرب الأهلية وما تلاها من سنوات. كان ذك الضعف نتيجة القمع، وقد أبانت حتى الميليشيات الطائفية الدرزية قدرتها على اغتيال شيوعيين مسيحيين، حتى لما كانوا يحاربون بجانبها. ويسعى حزب الله في المناطق التي يسيطر عليها إلى ممارسة سلطة ظلامية من الطراز الإيراني وإقصاء كل من قد يعارضه على اليسار. وعلى هذا النحو، ارتكب مع مجموعات سلفية أخرى، عام 1987 جملة اعتداءات ضد مناضلين وبوجه خاص مثقفين شيوعيين.
لكن إضافة إلى القمع، يكمن تفسير ضعف الحزب الشيوعي، في استسلامه السياسي إزاء مختلف القادة القوميين، من عرفات إلى حافظ الأسد، وعدم قدرته على مد الجماهير بسياسة مستقلة عن القادة القوميين البرجوازيين، وحتى عن حزب الله السلفي.
لكن لا غنى عن فتح منظور من ذلك القبيل. ففي سياق أزمة اجتماعية واقتصادية، اتسعت الهوة بين لبنان رجال الأعمال الأغنياء والجماهير الأكثر حرمانا. وانضاف الفلسطينيون المحتجزون في مخيمات اللاجئين بلا أمل في الخروج منها والمعرضين للاحتقار العام، إلى الفئات اللبنانية الفقيرة، الشيعية في الغالب، لكن ليس حصرا. ومن جهة أخرى، باتت الطبقة العاملة تضم حاليا أولئك العمال السوريين المهاجرين الذين يتعرضون، فضلا عن ظروف عملهم المزرية، لاعتداءات واغتيالات ترتكبها برجوازية صغيرة لبنانية تستهدفهم محملة إياهم مسؤولية سياسة دمشق.
ومن جهة أخرى، فإن جميع المسيحيين ليسوا أثرياء وأصحاب ملايير، كما أن الشيعة ليسوا كلهم فقراء محرومين. هكذا فإن الدفاع عن مصالح العمال والجماهير الفقيرة يستلزم تجاوز الإطار الديني المفروض من قبل الأحزاب المسيحية والدرزية و السنية و الشيعية، وحتى الإطار اللبناني الضيق، قصد تحقيق أهدافهم الطبقية بمعزل عن انتمائهم الطائفي أو القومي.
إن الدفاع عن هكذا سياسة بروليتارية، شيوعية ثورية وأممية، طريق صعب، لكنه القادر دون غيره على توحيد العمال اللبنانيين والسوريين والجماهير الفقيرة في البلدين، وربما أبعد من ذلك، حول مطالبهم الاجتماعية والسياسية. وهو أيضا الوحيد القادر يوما ما على أن يؤدي إلى تكسير الغل التي خلقته الانقسامات المصطنعة الموروثة عن الاستعمار ومؤامرات مختلف الدول المتنافسة لفرض نفوذها بالمنطقة برمتها.
18 إبريل 2005 مجلة النضال الطبقي
عدد 88 - إبريل-مايو 2005
تعريب جريدة المناضل-ة
المناضل-ة عدد: 8