من أجل توحيد أوروبا - 2009

打印
ترجمة

خطاب نتالي أرتو في 1 حزيران/يوليو 2009، خلال الاحتفال السنوي لحزب الكفاح العمالي :

من أجل توحيد أوروبا

للتيار الشيوعي الثوري أسبقية طويلة على كل الذين يقدمون أنفسهم كمناصرين متحمسين لتوحيد أوروبا، في حين أنهم لم يتوصلوا إلا إلى شبه اتحاد أوروبي ما زال بعيدا عن شمل كامل الدول الأوروبية.

أكد تروتسكي، في تشرين أول / أوكتوبر من العام 1914، عند بدء الحرب العالمية الأولى، على ضرورة وحدة شعوب هذه القارة ضمن الولايات المتحدة الأوروبية. ذلك في حين كانت البرجوازيات الفرنسية والبرطانية والإلمانية تبعث بملايين العمال والفلاحين والناس البسطاء إلى الاقتتال والموت أو التعفن في خنادق فيردان وغيرها.

لم يكن موقف تروتسكي، بموقعه كشيوعي، موقفا إنسانيا فحسب، وأقل منه مسالم، بل كان يرتكز على فهم محكم للتطور التاريخي. ففي تلك الحقبة، كانت الرأسمالية قد أقامت صلات وصل عديدة بين مختلف دول داخل أوروبا وحتى خارجها. وحتى منذ ذلك الوقت كان التطور الاقتصادي يختنق ضمن نطاق الدول القديمة حينها. وردا على المنادين للحرب دفاعا عن الوطن، أكد تروتسكي أنه " ، ما يتوجب على البروليتاريا الأوروبي، ليس الدفاع عن الوطن وهو ما يعيق التطور الاقتصادي، بل إنشاء موطن أكبر، وهو الولايات المتحدة الأوروبية، كمرحلة أولى في سبيل إنشاء الولايات المتحدة في العالم".

ومنذ ذلك الوقت، زاد الترابط بين مختلف دول العالم. فمن الواضح اليوم أنه لا حل للكثير من مشاكل العالم كتلوث البحار والهواء أو ببساطة الإستخدام المنظم لمصادر الطاقة الكبيرة، إلا إذا كان ذلك على مستوى العالم بأكمله.

كل الذين يتمسكون بحدود دولية تعود لحقبة عربات الخيل والشمعة، هم حتما رجعيون، خاصة عندما يقدمون هذه الحدود كوسيلة دفاع عن العمال.

كلا، فهده الحدود التي تقسم أوروبا والمرسومة بعشوائية الحروب وباختلاف موازين القوى لم تحم يوما الطبقات الشعبية. بالعكس فإنها الطبقات الشعبية التي كان يبعث بها إلى المجزرة بإسم الوطن. كما لخصها أناتول فرونس Anatole France بقوله " نعتقد اننا نموت من أجل الوطن، لكننا نموت من أجل الصناعيين"!

نعم، إن توحيد أوروبا ضرورة منذ حوالي القرن من الزمن. لكن البرجوازيات التي تدير المجتمع كانت عاجزة عن تحقيق ذلك. وشعوب أوروبا دفعوا ثمن هذا العجز عبر حربين عالميتين.

بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح توحيد سوق الدول الإمبريالية الرئيسية ضرورة ملحة على البرجوازيات الوطنية أمام خطر انحلالها نتيجة المنافسة العالمية في وجه دول كبيرة وأكثر ثراء وتعدادا كالولايات المتحدة الأميركية واليابان والصين والهند.

أما اليوم، وبعد خمسين عاما من المباحثات، تبقى أوروبا البرجوازيات عبارة عن تلاصق لدول لكل منها علمها، نشيدها الوطني، وجيشها. والأهم من ذلك أن كل دولة تقوم بخدمة برجوازيتها الخاصة.

فهذا الإتحاد الأوروبي مفبرك من قبل سياسيي البرجوازية في سبيل خدمة هذه البرجوازية، وذلك عبر المباحثات السرية والتنازلات والإتفاقيات بين برجوازيات الدول الإمبريالية في أوروبا الغربية، ثم غبر امتصاص دول أوروبا الشرقية.

وكانت "السوق الموحدة" أول تسمية لهذا " الإتحاد الأوروبي". وهي تسمية أقل تزييفا من التسمية الحالية. إذ أنها كانت تدل على ما كان يهم كل من الدول الرأسمالية، وهو الحصول على سوق البلد المجاور والتخفيض التدريجي لرسوم الجمارك والضرائب، وحرية وضع وتحويل رؤوس الأموال. أما المترددات الإيجابية على الشعب ذاته، كزيادة في حرية التنقل، فإنها لم تأتي إلا مؤخرا، كمنتوجات منشقة ليس إلا.

وفي ذات الوقت الذي خفضت فيه الحدود في داخل الإتحاد الأوروبي، زادت الحدود مع الخارج، وأصبح الإتحاد الأوروبي محاطا بالأسلاك الشائكة بالمعنى المجازي والفعلي للكلمة.

وقسمت حدود الشنغن schengen أوروبا إلى قسمين، مفرقة بين شعوب ذات تاريخ واحد، كما فرقت بين شواطئ شمال وجنوب البحر المتوسط. وأصبح الآن مجيء العمال الجزائريين والمغاربة والأفارقة لزيارة عائلاتهم في فرنسا أصعب من أي وقت مضى.

هذه ليست أوروبا التي نريد

أوروبا هذه، أوروبا القلعة التي بدلا من أن تضعف الشوفينية والإكزينوفوبيا لا تقوم إلا بارتقائهما إلى مستوى أكبر، فإنها ليست التي نريد!

وهي أيضا أوروبا المفارقات الإجتماعية داحل كل دولة وبين الدول الأوروبية. وهي منذ بدايتها عبارة عن شراكة بين النهابين الإمبرياليين في أوروبا الغربية حيث كان لكل منهم ساحته الخاصة من مستعمراته السابقة. وإن كانت الرأسمالية الأوروبية غنية وقوية فهذا طبعا نتيجة استغلال العمال في أوروبا لكنه أيضا نتيجة نهبها للمستعمرات في إفريقيا وآسيا.

وكان لساركوزي الوقاحة عندما أكد أن مشكلة إفريقيا تنتج عن عدم دخولها التاريخ. إذ أنها طبعا دخلته!

ففي القرنين السابع والثامن عشر، قامت الرأسمالية التي كانت في كون تطورها في أوروبا بإدخال هذه القارة في التاريخ مع تجارة الرقيق ومع تهجير جزء كبير من الشعب الإفريقي نحو حقول قصب السكر في الآنتيل وفي البرازيل ونحو حقول القطن في الولايات المتحدة.

وهذا النزيف المفتعل مستمر منذ ذلك الحين. وليس الاختلاف إلا بالشكل من النهب الاستعماري نحو النهب المالي الذي أقل ظاهرية لكنه بنفس القوة المدمرة.

نعم فلأوروبا وإفريقيا وبشكل خاص فرنسا وإمبراطوريتها الإفريقية المستعمرة تاريخ طويل مشترك! ولكن هذا التاريخ بالنسبة لإفريقيا مكون من الدم والمآسي والنهب.

إذا كان اليوم السركوزي Sarkozy وأورتوفو Hortefeux وبيسون Besson وأمثالهم يتفاخرون بإغلاق الأبواب أمام أحفاد أولائك الذين تكن لهم البرجوازية الفرنسية جزء كبيرا من إغتنائها فهذا لمثير للإشمئزاز! (....)

الحملة الانتخابية لحزب الكفاح العمالي.

يبقى الآن بضعة أيام أمام حملتنا الإنتخابية. حتى لو كانت نتائج لوائح الكفاح العمالي متواضعة، فإن بعض مئات الآلاف من الناخبين من الفئات الشعبية اللذين سوف يصوتون للوائحنا سيظهرون بذلك مشاطرتهم الأفكار والأهداف التي نطرحها في هذه الحملة. من المحتمل أن لا يكون لذلك وزنا في صناديق الإنتخاب ولكنه من الممكن أن يزن داخل الحركات الشعبية اليوم وغدا.

فالانتخابات تأتي وتذهب. ولم يكن لأي من الانتخابات الشبه سنوية التي مرت على هذا البلد أية أهمية بحد ذاتها. فالمهم هو أن يتجلى في كل منها تيار شيوعي داخل الطبقة العاملة معربا عن توجهاته الراديكالية.

إذ أنه أبعد من عملنا النضالي اليومي، فهدفنا الأساسي هو أن تقوم الطبقة العاملة، عبر رفض سلطة الطبقة الرأسمالية على الاقتصاد والسياسية، بالتوصل إلى فكرة أنه يتوجب عليها أخذ السلطة بنفسها في سبيل تحويل المجتمع بشكل راديكالي عبر نزع ملكية البرجوازية الكبيرة.

فإن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن فيها للمجتمع أن يتخلص من الطبقات الاستغلالية التي تدمره، وأن يعيد ترتيب الاقتصاد من دون استغلالية ومن دون ملكية شخصية لأدوات الإنتاج ومن دون منافسة وسباق إلى الربح!

وهذا التحول لا يمكن أن يكون على مستوى بلد واحد، بل لا يمكن أن يكون إلا على مستوى العالم.

هذا هو أساس الأممية لدى الشيوعيين. إذ أنه من غير الممكن تصور التحركات الاجتماعية والنضال الثوري، أي الذي يهدف إلى تحويل المجتمع، أن يتطور في بلد واحد فقط. إذ أن التقلبات الثورية الكبيرة التي حصلت منذ أقلها قرن ونصف كانت على مستوى أوروبا بأكملها. والثورة الإجتماعية القادمة سوف تكون أوروبية.

وحينها فقط يمكن لأوروبا العمال أن تنشأ، وبمقدورها تحقيق الهدفين الذين تحتم عليهما حقبتنا الحالية: تجريد البرجوازية الرأسمالية من أملاكها، وجعل المجتمع من يملك كل الثروات وكل أدوات الإنتاج، وفي الوقت نفسه تحويل حدود الدول الأوروبية إلى حدود رسمية ليس إلا، قبل أن تختفي بشكل كامل.

وإذ عدنا إلى قول تروتسكي : "فإن الموطن الأوروبي نفسه لن يكون إلا مرحلة مؤقتة قبل أن يظهر على مستوى الكرة الأرضية مجتمع تكون فيه الحدود المفرقة بين البشر والمسببة للخلافات مجرد ذكرى عن ماض همجي، وكذلك سوف يكون الحال بالنسبة لاستغلال الإنسان لإنسان آخر وكل ما ينتج عن ذلك من أشكال القمع . فالرأسمالية تكون قد تركت المكان لتنظيم جديد للمجتمع وهو الشيوعية".

تحيا الشيوعية!