الجزائر: ضد النظام، حراك شعبي واسع النطاق ومليء بالتصميم – أبريل 2019

Imprimer
ترجمة

من شهرية النضال الطبقي – رقم 199 ، في أيار 2019.(كتب النص في 16 نيسان / أبريل 2019)

في 10 شباط / فبراير، وبسبب عدم اتفاق مختلف زمر السلطة على مرشح آخر، قام عبد العزيز بوتفليقة، بعد عشرين عاما في السلطة وهو قد فقد النطق والحركة منذ عام 2013، بإعلان ترشحه لولاية خامسة. ويوم الثلاثاء في 2 نيسان / أبريل، قدم استقالته. كان هذا نتيجة الضغط الهائل الذي مارسه الشعب الجزائري لمدة ستة أسابيع. فالولاية الخامسة، التي أطفحت كيل الشعب الذي عانى الكثير من الإذلال، أشعلت حراكا شعبيا قويا ذات نطاق غير مسبوق في الجزائر. أسبوع بعد أسبوع، ورغم كل مناورات السلطة، تحول الحراك إلى تحد للنظام السياسي برمته، وهو من نواح كثيرة حراك اجتماعي أيضا.

وكان بوتفليقة قد تخلى عن ترشحه للولاية الخامسة في 11 آذار / مارس، معلنا تأجيل الانتخابات، فرفض المتظاهرون المتزايد عددهم هذا التمديد للولاية الرابعة. كما أن استبدال الوزير الأول المكروه أويحيى بوزير الداخلية السابق بدوي لاقى هم كذلك الرفض على الفور باعتباره كرجل من "النظام"، على حد تعبير المتظاهرين.

وأمام قوة الحراك، تصدعت الأحزاب الحاكمة، فتخلى عن بوتفليقة كل من زعماء جبهة التحرير الوطني وزعماء التجمع الوطني الديمقراطي. وفي 26 آذار / مارس، حان دور القايد صلاح، رئيس أركان الجيش، لكي يسحب دعمه لبوتفليقة، بغرض إيجاد مخرج للأزمة السياسية. واقترح صلاح بتفعيل المادة 102 من الدستور التي تسمح بإقالة الرئيس في حالة انعدام قدرته على ممارسة الحكم. فأعلن أن بوتفليقة عاجز على ممارسة الحكم... وذلك بعد ست سنوات من إصابته بجلطة دماغية أفقدته النطق. فتم التنديد بهذه المناورة على نطاق واسع من قبل ملايين الجزائريين في مظاهرات 29 آذار / مارس.

ثم جاء رفض "الباءات الثلاثة"، وهم الرجال الثلاثة الذين تم اختيارهم لتنظيم عملية الانتقال تحت رعاية القايد صلاح: بن صالح الذي حل منصب رئيس مجلس الأمة لمدة 22 عاما، وبدوي، الوزرير الاول، وبلعيز وهو رئيس المجلس الدستوري. وهم جميعهم خدام قدماء ومخلصون للنظام. وبعد شعار "سيستام ديقاج" (من الفرنسية Système dégage، أي "ليتنحى النظام") ! بات الشعار الأكثر شعبية شعار "يتناحو قاع!" (فليتنحوا جميعا).

حراك واسع النطاق وشعبي

منذ أكثر من عام، يندد جزء من المشجعين شباب الأحياء الشعبية في الملاعب بازدراء السلطة وعدم وجود مستقبل مفتوح لهم. وكما قال أحدهم: "أردنا الابتعاد عن السياسة عن طريق حبس أنفسنا في الملاعب وإذ بنا نتعلم السياسة في الملاعب". فأصبحت أغنيتهم "لا كازا دال مرادية" La casa del Mouradia))، أنشودة من أناشيد الثورة. وكان هذا الشباب في طليعة النزاع اعتبارا من يوم الجمعة 22 فبراير، بتحديه لحظر التظاهر في الجزائر العاصمة. ومن خلال مظاهراته السلمية وتصميمه وحماسه، عرف الشباب هذا كيفية كسب احترام الاكبر سنا منهم بل وشجعوهم على النزول إلى الشارع، بعد أن تردد الكثيرون وفي ذاكرتهم الحرب الأهلية التي شنتها السلطات.

أصبحت مظاهرات الجمعة نقطة قوية حيث يقوم المحتجون، الأكثر وأكثر شحذا وتنظيما، بإعداد الرايات واللافتات التي تتابع شعاراتها تطور الأحداث وترد على مناورات السلطة. وإذا كانت الفكاهة والسخرية من ميزات هذه الشعارات، حرص المحتجون في المقام الأول على الحفاظ على وحدة وقوة حراكهم من خلال ضمان احترام بعضهم البعض. وهم يريدون قبل كل شيء إسماع صوتهم. وهكذا، عندما شاع استعمال الفوفوزويل في مسيرات 22 آذار / مارس والتي غطت بضجتها شعارات المحتجين، دعى المتظاهرون في الأسبوع التالي في تعليقاتهم على الشبكات الاجتماعية ترك هذه المزامير في المنازل. وفي 29 أذار / مارس لم يكن في العاصمة استعمال يذكر لها.

وشكل وجود النساء في المواكب تعزيزا للحراك لا يقدر بثمن. فهن اللواتي يتعرضن للمضايقات يوميا في الشوارع، اكتشفن في المظاهرات علاقة أخوية بين الرجال والنساء لم يكن من الامكان تصورها قبل الآن. وعلى الرغم من الحشود والاختلاط، ظلت الأيدي المتجولة والكلمات المضايقة هامشية. وتؤكد النساء عن أنفسهن حتى لو لم يختف المحافظون ولا أولئك الذين يريدون إسكاتهن وحبسهن في المنازل.

وهكذا، على النساء مواجهة أولئك الذين يقولون لهن: "نحن هنا ضد النظام، أما مسائل النساء فسنرى ذلك لاحقا". لكن إذا كانت النساء، مثل الرجال، يرغبن في محاربة هذا النظام، فإنهن محقات برفضهن السكوت عن حقوقهن باسم الوحدة من أجل مستقبل الجزائر. وكثير ما يقال أنهن لا يردن إعادة تجربة امهاتهن وجداتهن اللواتي حاربن الاستعمار الفرنسي خلال حرب التحرير ومن ثم، في عام 1962، أعدن إلى مطابخهن. ناهيك عن ضغوط التيارات الإسلامية التي استهدفتهن خلال السنوات السوداء.

 

المطالبة بالحرية تطال جميع الطبقات الاجتماعية

لاقت الولاية الخامسة لبوتفليقة المعارضة بالإجماع في جميع أرجاء البلاد، لدى مختلف الأجيال، لدى الرجال والنساء والشباب المدرسي والطلاب. كل الفئات الاجتماعية عبرت عن رغبتها بـ "جزائر حرة وديمقراطية". وكان لكل واحد أسبابه للوقوف في وجه النظام.

وهكذا، عبر القضاة والمحامون عن شعورهم بعدم العيش في دولة القانون والحق. فإنهم يريدون التمكن من تحقيق العدالة دون الخضوع لضغوط الضباط أو كبار الشخصيات الذين يسنون القوانين على هواهم عبر مكالمة هاتفية بسيطة. وهذا ما تجلى مع الفضيحة التي اندلعت في أوائل شهر آذار / مارس في تيبازة حيث كشف قاضي التحقيق وندد بالضغوط التي تعرض لها من قبل جنرال الدرك وزوجته، رئيسة محكمة الاستئناف في المدينة، لكي يقر الإفراج المؤقت عن مستورد فاسد للأجزاء الكهربائية. وبالمثل، يرغب العديد من الصحفيين التمكن من العمل دون رقابة أو تهديدات بالاعتقال. كما وقف عاملو التلفزيون والإذاعة العامة بوجه إداراتهم التي لم تبث أي معلومات ولا اي صورة عن الحراك بينما كان ملايين الناس في الشارع!

من جانبهم، يريد رجال الأعمال ورؤساء الشركات الكبيرة والصغيرة مزيدا من الحرية في أعمالهم، ويعتقد البعض أنهم قد ظلموا لصالح أولئك الذين اعطاهم النظام أفضلية، مثل علي حداد، الزعيم السابق لاتحاد أرباب العمل (FCE). وقد انتهى الأمر بهذا الأخير بأن يضحي به القايد صلاح تنفيذا للمطالب الشعبية، فاعتقله على الحدود التونسية وهو على وشك مغادرة الجزائر. أما الملياردير يسعد ربراب فهو يشكل رمز المعارضة الليبرالية للنظام. فهذا الاستاذ السابق في المحاسبة في تيزي وزو قد حقق ثروته بفضل حصوله على الحق الحصري لعملية استيراد وتصدير السكر والزيت خلال سنوات بوتفليقة، ليقوم بعد ذلك بتوسيع أنشطته لتشمل الصناعة والبناء والصحافة والأجهزة المنزلية. وبعد استفادته من عطف النظام قام بالادعاء بأنه مضرر من قبل النظام متهما إياه بعرقلة خططه، مؤكدا أنه منعه من إنشاء 100000 فرصة عمل في بجاية. ومنذ ما يقرب العامين، تنشر جريدتا الوطن وليبرتيه يوميا فقرة تحدد مجموع الأيام منذ أن تم حظر مشاريع ربراب. وقد تمكنت المعارضة الليبرالية التي يجسدها ربراب من إغراء عدد من العمال الذين يعتقدون أنه صادق في رغبته في تطوير البلاد وخلق فرص عمل.

وربراب يعارض النظام فقط لأنه يرغب في الوصول بشكل أفضل إلى محاصصات الدولة والتأثير على قراراتها. هو يدافع عن الحرية لشركته لكن في مصانعهن لا يتمتع العمال بأية حقوق، وقد تعامل قساوة كبيرة مع الذين من بينهم قد أضربوا عن العمل وحاولوا تشكيل نقابة. في 10 آذار / مارس، وباسم العصيان المدني ضد الولاية الخامسة، سمح لموظفيه بالتوقف عن العمل، لكن بمجرد إعلان بوتفليقة عن استقالته قام بتهديد الذين أرادوا مواصلة الحراك. فإن هذا الملياردير، الذي يفخر بكونه ديموقراطي، قد استحوذ على ثروة قدرها 3.7 مليار دولار وذلك بفضل الاستغلال الشرس لعماله وأيضا عبر نهبه للأموال العامة.

فالجزائر الحرة والديمقراطية التي يطمح إليها العمال والطبقات العاملة ليست تلك التي يطمح إليها ربراب. ففي حين تشجب الطبقات الشعبية النظام الذي يحكم عليها بعدم الاستقرار وبالحياة الصعبة والذي لا يوفر إلا القليل من الأفاق للشباب بالرغم من تعلمهم وشهاداتهم. ويصرخ المتظاهرون من الطبقات الشعبية من بين الشعارات شعار "Libérez l’Algérie" (حرروا الجزائر)، رافضين إعطاء أية شرعية تاريخية لقادة جبهة التحرير الوطني والذين يوصفونهم بعصابات اللصوص الذين باعوا ثروات البلاد لرجال الأعمال وللشركات المتعددة الجنسية.

ففي حين يمتلك الأغنياء حسابات بنكية مليئة في فرنسا وفي سويسرا، لم تعد الطبقات الشعبية تقبل أن تكون فقيرة في بلد غني كالجزائر. وإنهم لم يعودوا يقبلون بالاحتقار الذي تلاقيه لغاتهم الشعبية التي ينطقون بها كاللغة البربرية واللهجة العربية العامية الدارجة. كما أنهم لم يعدوا يقبلون الانقسامات التي أثارتها السلطة بين السكان الناطقين بالعربية والناطقين باللغة البربرية، كما يعبر عن هذا مزيج الأعلام الأمازيغ والقومية في المظاهرات التي جرت في منطقة القبائل وفي الجزائر العاصمة.

منذ 22 شباط / فبراير، حصل الملايين من الجزائريين الذين شاركوا في مسيرات يوم الجمعة حقهم في التعبير عن أنفسهم في الأماكن العامة وحقهم في النقاش ومواجهة بعضهم البعض وتبادل وجهات النظر حول جميع القضايا. والغضب، على اختلاف أطيافه، قد ظهر إلى العلن، كغضب المعوقين والمهندسين المعماريين العاطلين عن العمل بسبب توقف المشاريع الكبرى، وكذلك غضب المدافعين عن الحيوانات الذين حضروا للتنديد بمصير الكلاب والقطط الضالة، والباحثين وموظفي البلدية والطلاب والمدرسين والمتقاعدين في الجيش الذين عوملوا معاملة سيئة من قبل السلطة والمحامين وممولي المحامين والمزارعين وعمال المزارع وعائلات ضحايا الحرب الأهلية المطالبين بمحاكمة المسؤولين. كما هو الحال في أي حراك شعبية كبير، فكل ما تم كبته يبدأ بالظهور.

 

العمال في الحراك

ماذا عن مشاركة الطبقة العاملة في الحراك كطبقة اجتماعية؟ إلى أي مدى، على سبيل المثال، استجابت لنداءات الإضراب التي أطلقت على الشبكات الاجتماعية؟ من الصعب جدا الحصول على نظرة عامة على هذا الموضوع حيث أن وسائل الإعلام تتجاهل هذا النوع من الاحداث بل وتتفادى تناوله. على أي حال، من المؤكد أن العمال قد شاركوا على نطاق واسع في المظاهرات. فقد عبروا عن معارضتهم للنظام الذي حرمهم لمدة سنوات من التمتع بحياة كريمة بسبب خطط التقشف التي فرضها بينما كان يقدم العديد من الهدايا لأرباب العمل في القطاع الخاص. أما في القطاع العام، من متتبعات النظام شيوع الواسطة مع حصول مدراء الشركات على مقاعدهم بفضل علاقاتهم مع الوالي (المحافظ) أو تحت رعاية شخصية عليا في النظام.

ومع ذلك، ظلت المطالب الخاصة بمسائل الظلم الاجتماعي والفقر والصعوبات الحياتية مهمشة في الحراك. إذ أن العديد من العمال يقبل فكرة أن تحقيق تغيير النظام السياسي هو شرط مسبق لطرح المطالب الاجتماعية. ولكن وفي الوقت نفسه، لقد أدى الحراك ونجاح مظاهرات الجمعة إلى استعادة العمال لمعنوياتهم الأمر الذي شجعهم في عدد من الشركات إلى طرح مطالبهم بخصوص أجورهم والعمالة وظروف عملهم. وعلى أي حال، تشكل هذه المطالب جوهر النقاشات التي تدور في العديد من المظاهرات العمالية.

وهكذا، في وهران، في شركة توسيالي (Tosyali) الجزائرية التركية الخاصة لإنتاج الصلب، والتي توظف 3500 عاملا منهم 800 من الأتراك، أضرب العمال عن العمل للمطالبة بتثبيت وظائفهم. ومن المحتمل أنه قد شجعهم على القيام بالإضراب انتصار 1100 من موظفي البلدية في المدينة، بعد شهر من الإضراب، بالحصول على وعد بالتثبيت.

إن ظروف العمل مختلفة للغاية في القطاع العام مقارنة بالقطاع الخاص.

يشمل القطاع العام الموظفين الإداريين والمعلمين والعاملين في السكك الحديدية (SNTF) والنقل العام وكذلك في شركات النفط الوطنية والأشغال العامة حيث توجد نقابات مستقلة تناقلت الدعوات إلى الإضراب. بدرجات متفاوتة، استجاب المعلمون وعمال البريد وموظفو الغاز وعمال الموانئ والإدارات العامة لهذه الدعوات، وفي بعض الأحيان اقاموا مظاهرات ضخمة كما في يوم الخميس 11 نيسان / أبريل في بجاية حيث احتج آلاف العمال العموميين ضد بن صالح.

أما في شركات الإنتاج العامة، في مجال المنسوجات والسيارات والأجهزة المنزلية والسيراميك، والتي لا تزال عديدة رغم الخصخصة، لا تزال المرتبات منخفضة للغاية وباتت عقود العمال محددة المدة مقارنة بعقود عمل العمال القدامى. في هذه الشركات، يحتكر اتحاد النقابات (UGTA) النشاط النقابي حيث أن مندوبيه يقومون بتنظيم الأعمال الخيرية والاجتماعية أكثر من تنظيم الكفاح. وهكذا، واستجابة لنداء أطلق على الشبكات الاجتماعية للقيام بإضراب في القطاع العام لمدة ثلاثة أيام، أضربت عاملات شركة الغزل والنسيج في منطقة بجاية عن العمل وذلك دون أن يقوم مندوبي الـ UGTA في الشركة بالدعوة إلى الاضراب. في اليوم التالي، دعا مدير الشركة جميع العاملات إلى العودة إلى وظائفهن، مهددا بالعقوبة. فعاودت الغالبية العمل. ولكن بعد أن قامت النساء بالضغط، منحن الحق بالقيام بالإضراب خلال يومين غير متتالين.

وبفضل قيامهم بإضراب أثناء الحراك، حصل عمال ميناءي الجزائر وبجاية على زيادة بنسبة 26٪. كما اضطرت شركة نفتال (Naftal)، الموزع الوحيد للوقود، إلى منح زيادات لموظفيها. وفي شركة نسيج أخرى، رفض المدير بشكل متعجرف مطلب العمال بإعطائهم مكافأة مالية. فكان جوابهم: "لا تريد أن تمنحنا المكافأة؟ حسنا، الآن، ما نريده هو رأسك! مدير ديكاج (dégage)! " وبالفعل حصلوا على مطلبهم إذ اضطر المدير على ترك منصبه.

في القطاع الخاص، وفي ظل غياب تقاليد النضال، كانت ردود الفعل أقل. ولكن، على سبيل المثال، في المنطقة الصناعية في الرويبة قرب الجزائر العاصمة، استجاب عمال العديد من الشركات الغذائية مثل رامي، بيبسي كولا، كوكا كولا أو LU إلى الدعوة إلى الإضراب العام وذلك على الرغم من الضغوط التي مارسها أرباب العمل. في هذه المؤسسات الخاصة، الوطنية أو الدولية، حقوق العمال معدومة وأحوالهم صعبة. وبإسم التنمية الوطنية، ولعدم عرقلة أرباب العمل، رفضت الـ UGTA دائما إنشاء نقابات عمالية في هذه الشركات. وعدد من هذه الشركات الخاصة هي عبارة إما عن شركات عامة سابقة تم شراؤها من قبل مقربين من السلطة، كشخصيات بارزة في جبهة التحرير الوطني أو ضباط، وإما شركات مرتبطة بشركات متعددة الجنسيات، ولكن يتم إدارتها أيضا من قبل هذه الشخصيات. هذا هو حال علي حداد، الرئيس السابق لمنتدى رؤساء المؤسسات FCE، والذي تم توقيفه مؤخرا، فهو يمتلك شركة بيع وشراء سيارة آسترا. وكذلك الأمر بالنسبة لطحكوت صاحب شركة تجميع سيارات هيونداي في مدينة تيارت. فهما اللذان قد بنيا ثروتيهما بسرعة كبيرة تحت رعاية السلطة قد استقطبا كراهية المتظاهرين وهتافاتهم المعادية. ولم يتردد القايد صالح، بهدف كسب العمال، بالتضحية بهما ولا سيما عندما منع حداد من مغادرة البلاد. ومع ذلك، لم يسأل هذا الأخير عن الاختلاس أو الإثراء المشبوه ولكن فقط لأن كان بحوزته جواز سفر بريطاني ويحمل 5000 يورو من النقود!

ويندد عمال الشركة الوطنية للعربات الصناعية SNVI، وهي شركة عامة تصنع الآلات والشاحنات ضمن شركة سوناكوم (Sonacom)، بقيام السلطة ببيع القطاع العام الصناعي لصالح الشركات المتعددة الجنسيات ولصالح رجال الأعمال الجزائريين الأثرياء مثل حداد وطحكوت. كما أنهم يلومون زعيم اتحاد النقابات الجزائري سيدي سعيد وغيره من المسؤولين في النقابات المحلية لتواطؤهم في عمليات البيع هذه.

والـ SNVI هي شركة رائدة ومهمة بنظر جميع العمال في منطقة الرويبة الصناعية الكبيرة وذلك على الرغم من تضاؤل عدد العمال فيها. وقد حاولت الحكومة مرارا التخلص منها، لكن العمال قاوموا ذلك ونفذوا إضرابات متكررة. وهم كانوا الأكثر حراكا خلال الاحتجاج الشعبي ويريدون إقالة سيدي سعيد عن منصبه.

وهذه الرغبة بخصوص سيدي سعيد يشاطرها عمال العديد من الشركات. أما سيدي سعيد فإنه، وبوقاحة، قد أعلن عن دعمه للحراك الشعبي، ثم أعلن، بهدف تهدئة الاحتجاج ضده، عن نيته عدم ترشيح نفسه لرئاسة الـ UGTA في المؤتمر القادم.

 

النظام يدافع عن النظام الاجتماعي البرجوازي

إلى أي مدى يمكن تحقيق الطموح المعبر عنه في شعار "سيستام ديقاج"؟ هذا الشعار يلخص بشكل ما الرغبة في العيش بحرية والتمتع بحقوق ديمقراطية حقيقية، في حين يبقى التذمر من الوضع الاجتماعي في الخلفية. فبالنسبة للغالبية العظمى من العمال، يبدو أن تطهير النظام هو شرط أساسي، ثم "سوف نهتم بظروف المعيشة والأجور" بحسب ما يقولون. إنهم يميلون إلى تحميل مجموعة من السياسيين المسؤولية الكلية عن الهدر والفقر.

في مواجهة هذا الحراك، تواصل السلطة تطوير سلسلة من المناورات. آخرها الدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية في 4 تموز / يوليو، فهل ستنجح؟ أظهر حجم المظاهرات يوم الجمعة 12 نيسان / أبريل مرة أخرى الرفض القاطع لبن صلاح وللقايد صلاح ولتغيير الواجهة الذي يرد رجال بوتفليقة تنفيذه لإعطاء الانطباع بالديمقراطية.

هل ستجري هذه الانتخابات؟ وإذا استمر الحراك، هل سيحاول الجيش القيام بانقلاب لإسكات الاحتجاج؟ لم يكن هذا هو خيار الجيش حتى الآن، بمواجهة هذا الحجم من الحراك. ولكن لا ينبغي استبعاد هذا الاحتمال في المستقبل.

منذ تعيين بن صالح رئيسا مؤقتا، حظر رئيس الوزراء بدوي الاحتجاجات خلال أيام الأسبوع وقام ببعض اعتقالات واستخدم خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع ضد الطلاب يومي الثلاثاء 9 والجمعة 12 نيسان / أبريل، وذلك فقط في الجزائر العاصمة. إنه يحاول استعادة المساحة التي فقدها منذ 22 شباط / فبراير، وذلك بغلية فرض عمليته الانتخابية والتي بدأ المرشحون يعلنون عن ترشيح أنفسهم إليها. هذا هو حال الضابط السابق علي الغديري ورئيس الوزراء السابق، لكنهما لا يشكلان ما يطمح إليه المتظاهرون من تغيير. هل سيكون هناك مرشحون آخرون؟ في الوقت الحالي، لا يوجد في قيادة الجيش، الذي يشوب صيته فضائح الفساد، من يتمتع بسمعة تسمح له بإعطاء وهم بتأمين الانتقال الديمقراطي. من المؤكد أنه ليس مستبعدا أن يظهر رجال آخرون ضمن الجهاز العسكري، ذات صيت أقل سوءا، كاستجابة لأحد أكثر الشعارات التي يرددها المتظاهرون "الجيش، الشعب، خوا خوا". لكننا لسنا في هذه المرحلة بعد.

اما المحامي بوشعشي، الناطق السابق باسم عصبة حقوق الإنسان، فبعد أن أشاد بدور قايد صلاح في استقالة بوتفليقة، قام بمعارضة تنظيم الانتخابات يوم 4 تموز / يوليو. واسمه بدأ يتبادل على أنه قادر على ضمان الانتقال الديمقراطي. وهو يتمتع بشعبية معينة لدى البرجوازية الصغيرة والشباب المتعلم قد يرغب باستثمارها. وهناك رجل آخر وهو كريم تابو، وهو عضو سابق في جبهة القوى الاشتراكية، ويقدم نفسه كشاب جديد وشاب قادر على لعب هذا الدور. كما يمكن للتيارات الإسلامية أن تجرب حظها أيضا، لكن الحراك في الوقت الحالي لا يدفع في اتجاهها على الرغم من أن التدين لا يزال واسع الانتشار. لكن هذه التيارات تشكل قوة منظمة يمكنها دائما أن تصبح خطيرة مرة أخرى.

على أي حال، فإن أصحاب الطموحات الشخصية والسياسية الذين يرغبون في الاستفادة من مثل هذه الحراك هم كثر. قد يتم استبدال زمرة بوتفليقة في النهاية بشخصيات جديدة أصغر سنا لم تستهلك ممارسة السلطة من شعبيتها. لكنه من الواضح أن هذا الفريق البديل سوف يسعى إلى إدامة النظام الاقتصادي الذي يسمح للبرجوازية الجزائرية، ومن ورائها الرأسمال الإمبريالي، باستغلال العمال من خلال الأجور المنخفضة وحرمانهم من الحقوق الأساسية مثل تأسيس نقاباتهم واختيارها بكل حرية إن كان في الشركات العامة أو الخاصة.

إن الحلول السياسية، سواء كانت منبثقة عن المعارضة الليبرالية أو الديمقراطية أو الإسلامية أو ربما العسكرية، لا يمكن أن تكون سوى حلول تصب في مصلحة البرجوازية. فالمسألة بالنسبة لهم هي في الحفاظ على نظام اجتماعي غير عادل يعطي امتيازات للشركات المتعددة الجنسية، مثل الفرنسية كتوتال ولافارج، أو الأمريكية التي تتطلع إلى استغلال حقول الغاز الصخري التي تعد من بين الأهم في العالم. يمكننا التأكيد بأن هذه الحلول السياسية، إذا تبلورت، لن تلبي التطلعات الديمقراطية والحياتية للطبقات الشعبية.

 

وحدهم العمال يمكنهم تقديم أفق للحراك

يتهم السكان رجال النظام، وخاصة رجال جبهة التحرير الوطني، بسرقة الاستقلال الذي حصلوا عليه بثمن تضحيات كبيرة في عام 1962. كما يتهمونهم ببيع البلاد زهاء، بالخصوص إلى دولتي فرنسا والولايات المتحدة الإمبرياليتين. إن هذا الشعور الوطني موجود بقوة في الحراك الشعبي: الشعور بأن طموحات العيش في بلد حر دون استبداد، والتي كانت طموحات الشعب الجزائري في عام 1962، قد تم خيانتها.

ومع ذلك، فإن الاستجابة لهذه الطموحات بشكل حقيقي يتوجب قيام العمال والطبقات الشعبية عموما بمهاجمة جذور هذه السلطة التي يتحدونها، أي الطبقات السائدة ومحاسبة أفرادها. فأين ذهبت كل ثروات البلاد؟ أين ذهب التريليون دولار الذي وفره استخراج النفط في السنوات الأخيرة؟ وأين ذهبت الاحتياطيات النقدية للدولة والبالغة 200 مليار دولار؟ كيف تمكن أرباب عمل مثل حداد وربراب وتاهكوت وغيرهم أن يصبحوا أثرياء في زمن جيل واحد فقط، بينما يكافح الجميع في البلد لإعالة أسرته؟

لذلك، في مواجهة كل المناورات السياسية المتوقعة، إلى أي مدى سوف تكون الطبقة العاملة قادرة على تنظيم نفسها، لتصبح مدركة لقدراتها كطبقة ولتقدم حلولها الخاصة؟ في مواجهة أزمة الرأسمالية، يجب على الطبقة العاملة في الجزائر أن تدرك أهدافها السياسية. إنها شابة، وفيرة ومتعلمة، كما أنه في سياق حراك جماهيري كهذا يمكن للتطورات السياسية أن تتسارع بشكل كبير.

لقد حاولت السلطة حتى الآن كسب الوقت، آملة بأن ينفذ أمد الحراك. إلا أن ذلك لم يحصل، ولربما أن الحراك لن يتوقف قريبا. وكون جميع الطبقات الاجتماعية تشارك في الحراك من شأن ذلك أن يمنح الطبقة العاملة الوقت لكي تسارع بتطوير وعيها الطبقي وقدراتها التنظيمية. سيكون هذا أمرا حاسما لها للمضي قدما، وللتمكن من التغلب بقوتها الجماعية على التحديات الجديدة المتوقعة كما لتصبح قادرة على تقديم أفق لجميع الطبقات الشعبية.

لدى الطبقات الحاكمة العديد من الرجال والأحزاب للدفاع عن مصالحها. كما لديها في خدمتها جهاز الدولة، من مؤسسات وقوات أمن وجيش. من ناحيتها، تحتاج الطبقة العاملة إلى منظمات تمثل مصالحها. فالمصاعب التي تنتظرها تتطلب ظهور حزب في الجزائر يقدم أهدافا للعمال في كل مرحلة من مراحل الحراك، حزب يوفر الرد على كل هجوم من قبل السلطة، أي حزب شيوعي ثوري. إن هذا الحزب غير موجود، لكن في سياق مثل هذ الحراك الشعبي، يمكن للمناضلين أن يظهروا بسرعة، ليقوموا بتشكيله

وإن ما يحدث بشكل مواز في السودان، حيث أجبر الحراك الشعبي على استقالة الديكتاتور عمر البشير ثم القائد العسكري الذي أراد أن يحل محله، يدل على أن الثورة التي نشأت في عام 2011 في العالم العربي هي بعيدا من أن تنطفئ. كما يمكن لتمرد الجماهير الجزائرية أن يعطي أمل للكثيرين من عمال البلدان الأخرى، بدءا ببلدان المغرب العربي والعالم العربي الذين يتشاركون معهم اللغة والثقافة وماض من النضال ضد الاستعمار. يمكن للعمال الجزائريين العثور على حلفاء طبيعيين في كل هذه البلدان، ولكن أيضا في أوروبا وخاصة في فرنسا حيث ينتمي جزء كبير من الطبقة العاملة إلى المنطقة المغاربية. والسؤال المطروح أمام الجميع اليوم هو إيجاد السبيل لإنهاء النظام الرأسمالي العالمي الذي، بتأزم اقتصاده، لا يمكن إلا أن يستمر في التسبب بسلسلة من الانفجارات الاجتماعية.

مصدر النص : https://www.union-communiste.org/ar/lnsws-bllg-lrby

النص باللغة الفرنسية : https://mensuel.lutte-ouvriere.org//2019/04/21/algerie-contre-le-systeme-une-mobilisation-populaire-vaste-et-determinee_119073.html