تركيا : إضراب عمال المعادن يجبر أرباب العمل على التراجع - 2015

Imprimir
ترجمة

من أسبوعية النضال العمالي في 29 مايو 2015، عدد رقم 2443.

* * * * * * * * * * * * * * *

منذ مساء يوم 14 مايو، شل الإضراب مصنع أوياك التابع لشركة رينو الفرنسية في مدينة بورصة في تركيا. فبعد شهر على نجاح الاضراب في شركة بوش الالمانية في نفس المنطقة الصناعية والذي حصل من خلاله العمال على زيادات في الأجور تتراوح بين 12٪ إلى 60٪، قام هذا الاضراب بدوره باجبار رب العمل بالتجاوب مع مطالب العمال.

الحال أن استياءا كبيرا يعم في مصانع غرب تركيا حيث أن التضخم البالغ حوالي ال25٪ قد أدى إلى انهيار القدرة الشرائية للعمال. على سبيل المثال، كان راتب العامل في تصنيع السيارات، والبالغ 1500 ليرة تركية، يعادل 750 يورو في السابق، في حين أنه يعادل الآن ال500 يورو. لكن النقابة العمالية المتمركزة في غالبية مصانع المنتجات المعدنية - والقانون التركي لا يسمح إلا بنقابة واحدة فقط في كل شركة - هو اتحاد تورك-ميتال وهي نقابة خاضعة لمشيئة كبار أرباب العمل وقواد هذه النقابة متأثرون سياسيا بأقصى اليمين التركي. وفي نهاية العام 2014، قام تورك-ميتال بتوقيع اتفاقية مع رؤساء الشركات المعدنية على ثلاث سنوات لزيادة الأجور بنسبة... 3٪. وعندما، في كانون الثاني الماضي، حاولت النقابة الإصلاحية الديسك الدعوة إلى الإضراب حول هذه المسألة، قامت حكومة أردوغان بمنع الاضراب، بكل بساطة.

بداية الإضراب

ومع ذلك، تمكن عمال شركة بوش بفرض مطالبهم بسرعة بعد إضراب قصير المدة ليحصلوا على زيادة بلغت ال 130 يورو على أجورهم الشهرية. وإذ بهذا المطلب يصبح اللآن مطلب عمال شركة أوياك-رينو المضربين.

في هذا البلد حيث يسود القمع وديكتاتورية كبار أرباب العمل وتقليس الحريات النقابية، بدأ الحراك ببعض حالات التمرد الجماعي. فقام البعض باحداث الضجيج في مطاعم الشركة، والبعض الآخر قام بالتظاهر في المصنع بعد انتهاء ساعات العمل ثم في وسط المدينة. وهكذا تعززت الروابط بين العمال.

وأمام قيام العديد من العمال بانهاء عضويتهم لتورك-ميتال، ردت إدارة رينو بفصل 14 عامل من بينهم على الفور، كما قد فعلت في عام 2012. ولكن هذه المرة قام فريق العمل الليلي بالرد بالاضراب في 14 مايو. وإذ بالمدير يتكلف بالحضور ليلا أمام المصنع ليعلن لل3000 عامل المتواجدين فيه عن إعادة العمال المفصولين إلى المصنع. اعتقدت الادارة أنها بذلك سوف تتمكن من إيقاف الحراك، لكن العمال، على العكس، قد شعروا بالتشجيع. وعندما أعلنت الإدارة عن استمرار رفضها لزيادة الأجور، أدى ذلك على الفور إلى اشعال الاضراب واحتلال المصنع من قبل العمال.

وسرعان ما أصبحت مطالب المضربين عند أوباك رينو مطالب العاملين في معامل أخرى. وتشمل المطالب رفض فصل العمال، ورفض المافيا النقابية تورك-ميتال إلى جانب رفع الأجور كما لدى شؤكة بوش، بما يقرب ال130 يورو. وإذ بعدد العمال المضربين عن العمل يبلغ، مع عمال شركة توفاش فيات، ما يقارب ال16000 عامل، وهم يقومون باحتلال مصانعهم ليلا ونهارا.

وفي شركة رينو، قام المضربون بانتخاب مندوبين عن وحداتهم بلغ عددهم ال200 مندوب، يقوم 24 منهم بتنسيق الوحدات و8 منهم بتمثيل المصنع بأكمله. ويقوم هؤلاء، خلال اجتماعات الجمعية العمومية للمضربين، بتقديم التقارير عن لقاءاتهم مع الادارة والمحافظ والشرطة. والقرارات تؤخذ برفع الأيدي أو بالتصفيق.

وأمام التهديدات التي صدرت عن السلطات، قررالمضربون بالتصويت بالكف عن الاستجابة للأوامر الاستدعاء من قبل المحافظ، معلقين بأنه "إذا كان لدى المحافظ ما يقوله، فليتفضل إلى المصنع". ويبدو أن شركة رينو كانت تنوي الاستجابة إلى المطالب بسبب التأثير المحتمل للاضراب على المصانع الأخرى للمجموعة وعلى المبيعات، ولكن منظمة أرباب الأعمال في الصناعات المعدنية ، ال MESS، عارضت ذلك. فقامت رينو، كما الشركات الأخرى، بعرض حافز سنوي يبلغ ال1000 ليرة تركية (350 €) بشرط استئناف العمل فوريا. في 26 مايو رفض المضربون لدى رينو هذا العرض بالتصويت.

انتشار الحراك

انتشر الحراك إلى مصانع أخرى في المناطق الصناعية في مدينة بورصة، وكذلك إلى توفاش، وهي منطقة صناعية في ضواحي اسطنبول وازميت، حيث تتمركز شركة فيات لتصنيع السيارات، وفاليو ودلفي، وكذلك إلى مصنع تورك تراكتور في أنقرة التابع إلى مجموعة كوتش. وتقوم لجنة المندوبين بتوجيه الإضراب في جميع جوانبه، بما في ذلك تنظيم وجبات الطعام. وضغوط الإدارة عديدة من المكالمات الهاتفية الليلية والتهديدات باتهام العمال بإيواء ارهابيين بينهم. لكن ظروف العمل القاسية والقدرة الشرائية المنهارة إلى جانب تراكم ساعات العمل الاضافية والحاجة إلى القيام بوظيفة ثانية، كل ذلك يقوم بتغذية غضب العمال.

بدورهم، قام ال8000 عامل لدى شركة فورد اوتسان في ازميت، بالاضراب عن العمل بتاريخ 18 مايو رافعين نفس المطالب لدى رينو، وانتخبوا ممثليهم وإلغوا عضويتهم في تورك-ميتال. وإذا قامت أقلية منهم بمعاودة العمل منذ ذلك الحين، وهو ما تفتخر به الادارة، فلم يخرج من المصنع سوى 60 سيارة يوميا بدلا من ال230 اعتياديا. وأكثر من ذلك، فالسياراتان الوحيدتان القابلتان للبيع قد تم انتاجهما قبل الإضراب!

ويقوم أرباب العمل في قطاع المعادن بالعديد من الاحتيالات بهدف إيقاف حركة الإضراب. ففي 22 مايو، قامت الصحف الكبيرة الخاضعة لأوامرهم بالعوعنة كذبا عن استئناف العمل لدى أوياك وتوفاش. ولكن أرباب العمل يبدون حتى الآن مترددين لاستدعاء قوات الشرطة المتمركزة بالقرب من المصانع، وخاصة كون الفترة الحالية هي فترة حملة انتخابية للانتخابات التشريعية المقررة في 7 حزيران المقبل.

الحراك ما زال مستمرا دون ضعف، خلافا لادعاءات أرباب العمل، بل على العكس فهو يمتد إلى مدن أخرى مثل أزمير، حيث حصل عمال مصنع الجانطاتCMS على مكافأة قدرها 1000 ليرة بعد مجرد توزيع منشور يهدد بالإضراب. كما أن الحراك ينال مدنا متوسطة الحجم أيضا: ففي اسكيسهير، قام إضراب في مصنع الأجهزة المنزلية أرسليك في يوم 26 مايو قبل أن تقوم الشرطة بإجلاء العمال المضربين.

تراجع أرباب العمل

عاود عمال شركة أوياك العمل صباح يوم 27 مايو بعد التوصل إلى اتفاق يضمن عدم وقوع عقوبات بحق المضربين والحفاظ على المندوبين المنتخبين من العمال كالمتحاورين الوحيدين المعترف بهم- الأمر الذي يؤدي، مع وجود عمال بينهم ليسوا أعضاء لدى تورك-ميتال، إلى الحد من نفوذ هذا الأخير - وإلى 600 ليرة (200 €) كحافز سنوي و1480 ليرة لمعاودة العمل وكذلك التعهد باعادة النظر في اتفاقية الأجور في الشهر المقبل.

وهذا النجاح ليس من شأنه إلا أن يشجع الآلاف من العمال الذين يواصلون الكفاح من أجل البقاء على قيد الحياة بوجه أرباب عمل جشعين. وكما يقول أحد شعارات المضربين "إذا كنت لا تريد أن تنتهي في الشارع، كافح!"