خطاب ناتالي ارتو - 2014

Imprimir
ترجمة

خطاب ناتالي ارتو، الناطقة باسم حزب النضال العمالي في فرنسا، بمناسبة الاحتفال السنوي للحزب - 9 يونيو 2014

********

أيتها العاملات وأيها العمال والأصدقاء،

كما هو التقليد يوم الاثنين أوجه الترحيب بشكل خاص إلى زملائنا الآتين من البلدان الأخرى. فاحتفالنا هذا ليس فقط لحزبنا النضال العمالي، بل أيضا للاتحاد الشيوعي الأممي، وهو تيارنا السياسي الدولي والذي يضم رفاق يناضلون في أماكن متنوعة مثل جزر الأنتيل والريونيون الفرنسية والولايات المتحدة الأمريكية وهايتي وساحل العاج إلى بلجيكا وألمانيا وبريطانيا العظمى وإسبانيا وإيطاليا وتركيا.

وان أردتم أن تجدوا اكشاكهم في ممرات الاحتفال فلا تبحثوا عن اعلامهم الوطنية فجميعم يرفعون نفس العلم الذي نرفع : العلم الأحمر، أي علم العمال والثوار الشيوعيين.

إذ أن طبقتنا ليست فقط البروليتاريا في فرنسا ولكن البروليتاريا العالمية.

لقد تسنى لي في حملة الانتخابية الأوروبية القول والتكرار بأن أولئك الذين يملؤن آذاننا بالكلام عن مصالح فرنسا وحب فرنسا يقومون بخداع العمال. فهم عندما يتحدثون عن هذا البلد وعن اقتصاده فهم يعنون مصالح شركات بويج، بيجو أو بنك بي إن بي باريبا، فهم لا يكترثون أبدا بمصالح العمال والمستغلين والفقراء!

أما نحن، فعلى عكسهم، ما يهم بالنسبة لنا هو الوضع المادي والسياسي للعمال، سواء في فرنسا أو في بلدان أخرى.

نريد أن نعرف على سبيل المثال ما هو وضع الطبقة العاملة في تركيا وخاصة ما يتعلق بنوبات الغضب التي أعقبت الانفجار الذي وقع في منجم سوما. نريد أن نعرف كيف يحاول عمال السيارات مقاومة الاستغلال المتزايد في مصانع ديترويت في الولايات المتحدة.

نريد أن نتعرف على الشباب الإسبانيين الذين يبحثون عن وسيلة للخروج من الفخ الذي أوجدتهم فيه أزمة الاقتصاد الرأسمالي، وقد ابتهجوا لخبر تنازل خوان كارلوس عن الحكم.

نريد أن نعرف ما هو حال منظمات العمال في هايتي ومنطقة بورتو برانس الصناعية حيث قام العديد منهم في الخريف الماضي بأول إضراب عمالي واسع النطاق.

ذلك لأن الأممية ليست فقط مسألة تضامن بين المستغلين في سبيل تفعيل قوتهم في الكفاح. بل هي الإيمان بأنه لا يمكن للعمال أن يتحرروا ضمن نطاق بلد واحد. وهي الايمان بأن نضال العمال، أن كان في تركيا أو في ساحل العاج أو في البرازيل وجنوب أفريقيا، هو نضال جميع العمال في العالم.

وهكذا تم بناء الحركة العمالية. ففي الماضي، تغذى نضال العمال من المعارك والأحزاب والأفكار المتداولة بين العمال في البلدان أخرى. إذ من دون الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني في سنوات ال1890، لم يكن للحزب البلشفي الروسي أن يتواجد ويقود الثورة العمالية حتى النصر.

فلينين وتروتسكي وروزا لوكسمبورغ كانوا القادة العظام الذين نعرفهم لأنهم قد تمرسوا من خلال نضالات العمال في أوروبا والعالم ومن خلال الناقشات السياسية التي عرفتها مختلف الأحزاب السياسية الثورية.

فالحركة العمالية ليست فرنسية ولا ألمانية أو روسية... بل هي بطبيعتها عالمية. وهذه الأممية تجسدت في أحزاب عمالية تضم عمال من مختلف الجنسيات.

ذلك أولا لأن الطبقة العاملة في كل بلد كانت تتألف من عمال مهاجرين. ففي فرنسا كانت الطبقة العاملة تتألف منذ القرن 19 من العمال البلجيكيين والإيطاليين والبولنديين، ناهيك عن الطبقة العاملة الأميركية التي بنيت برمتها من المهاجرين.

وثانيا، لأن كل حزب عمال كان يتبع الكلمات الشهيرة الصادرة عن ماركس وإنجلز: "يا بروليتاريا العالم، اتحدوا".

كما قام بول لافارج، وهو زعيم حزب العمال في فرنسا في سنوات ال1890، بوصف الحالة المزاجية للعمال الذين كانوا يشاركون في مظاهرات يوم 1 مايو العالمية. فأوضح بأنه حتى العمال الذين لم يتركوا يوما بلدتهم الصغيرة كانوا يتابعون حال المظاهرات في البلدان الأخرى. وهي بلدان بالكاد يعرفون اسمها أو يعرفون موقعها الجغرافي. إذ كان لديهم القناعة، كما قال، بأن عمال العالم يشعرون ويتصرفون مثلهم. فكانوا ينتظرون الأول من مايو كيوم تحرير لأنهم كانوا يقولون لأنفسهم بأن نضال الرفاق في الخارج، في أي مكان كانوا، يساهم في تحسين حياتهم.

كانت الأممية تتوافق مع الصراع الطبقي وذلك ينطبق عليها اليوم.

بطبيعة الحال، نحن نهتم بشكل أولي بوعي ونفسية زملائنا في العمل وأيضا بالوضع المعنوي للطبقة العاملة في البلد الذي نعيش ونناضل فيه، كما اننا نتوق لأن يحصل رد فعل جماعي بشكل اكبر.

ولكن بمجرد أن ننظر أبعد قليلا لا يمكن إلا وأن ننبهر بالشجاعة المتجددة باستمرار للطبقة العاملة في العالم.

من شجاعة تلك العاملات في بنغلادش اللواتي يعاودن دوما إلى التظاهر، إلى عمال الناجم في تركيا الذين يتحدون الحكومة، إلى شجاعة وقوة العمال الصينيين الذين أضرب عشرات الآلاف منهم متحديين الحظر والتهديد بالفصل والشرطة.

ولا بد من أن من توجيه التحية أيضا إلى حراك عمال المترو في ساو باولو الذين قرروا مواصلة إضرابهم على الرغم من حظره من قبل المحكمة. نعم، فإن أرادت الحكومة أن يتمكن آلاف المشجعين من حضور كأس العالم فبالأقل يجب عليها أن تدفع أجورا محترمة لعمال النقل!

لا يوجد بلد في العالم لا يوجد فيه عامل. ولا يوجد بلد من دون حدوث ردود فعل للعمال. طالما كان هناك طبقة عاملة سوف يكون هناك عمال يرفعون رؤوسهم لقيادة المعركة. وعاجلا أم آجلا سوف تجد إرادة الأقلية المناضلة في كثير من البلدان كتائب كبيرة من المستغلين اتنضم إليها.

********

لكنه في غياب التواجد الواعي والواسع النطاق للطبقة العاملة على الساحة السياسية بشكل تتحدى فيه الرأسمالية، يعود المجتمع إلى الوراء، ليس على الصعيد المادي وحسب، بل أخلاقيا وفكريا أيضا.

فالأزمة التي تغمر الرأسمالية منذ ال 40 عاما، والتي بلغت أوجها مع الأزمة المالية في عام 2008، قد كرست الركود الاقتصادي ووضعت المجتمع أمام طريق مسدود.

فالاقتصاد، مع كل التناقضات التي تشوبه، قد أصبح ناضجا منذ زمن طويل لحدوث التحول الاجتماعي. فالتقنيات ومستوى التنمية وقدرة الإنتاج الواسعة تدفع نحو قيام انتاج جماعي، إلى المشاركة في الانتاج.

ولكن بحكم سيطرة البرجوازية على رأس المال فإنها تسيطر على الحياة الاقتصادية تديرها وفقا لمصالحها الفردية والأنانية.

وطالما لم يحدث هذا التحول في ادارة الانتاج، فالاقتصاد سوف يبقى مدان للأزمات، إلى التبذير في وسائل الإنتاج، وإلى استغلال العمال بشكل مشين. وبعدم وجود أفق متاحة للناس يقوم المجتمع بإنتاج الممارسات الرجعية والهمجية.

ففي ثلاثينيات القرن الماضي أدت أزمة الرأسمالية في أوروبا في خلق الفاشية والنازية ومن ثم الحرب العالمية.

وبعدها ب70 عاما، ما زالت الأسباب نفسها تنتج نفس الآثار. فأينما نظرنا نجد قوى تجاهد للعودة بنا إلى الوراء. فمن كراهية الأجانب إلى التعصب وتهوين النساء والطائفية، ليس تأثير الأفكار الدينية "امتيازا" مخصصا للدول الفقيرة!

ليست أية القارة ولا أي بلد في مأمن من هذا المنحى الظلامي، ولا حتى أغنى الدول وأكثر تعليما في العالم.

ففي الولايات المتحدة، وهي البلد الذي يحوي من دون شك أكبر تجمع للعلماء والمثقفين، فمعظم الخطب الرسمية تنتهي بعبارة "بارك الله لنا". في بعض الولايات يمكن أن يحكم على طفل عمر 12 سنة كمجرم ويسجن مدى الحياة وفي أخرى يستمرون بتطبيق عقوبة الإعدام.

وفي أوروبا يأخذ تصاعد القوى الرجعية اكثر من منحى.

فتقليص حق الإجهاض في إسبانيا كان بمثابة صاعقة لجميع النساء في أوروبا اللواتي اكتشفن أن أيا من الحقوق المكتسبة مضمونة البقاء في هذا العالم. وكون المجتمع الإسباني ينقسم اليوم لمعرفة ما ينبغي أن يكون نظام الحكم في اسبانيا ملكيا أو جمهوريا يدل على أنه من الممكن أن نعيش في القرن 21 مع أفكار القرون الوسطى!

وفي فرنسا نشهد عودة الاحتجاجات ضد زواج مثليي الجنس وعودة نقاشات اعتقدنا انها قد حسمت حول دور المرأة في المجتمع أو حول المساواة بين الرجل والمرأة، كما يرافق كل هذا هذيان حقيقي ضد التعليم الجنسي المدارس.

ولربما قد شهدتم أحدث اختراعات الكهنة: نعمة من الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية من رعاياهم. فمن الأفضل دائما أن يبارك الأسلحة أقول لكم، ولكن هذا دليل على التقدم يمكن أن تسير جنبا إلى جنب مع جميع الظلامية لي.

يكفي القول أنه إذا كانت البروليتاريا يمارس السلطة، وسوف يكون هناك العديد من خيوط العنكبوت لتنظيف.

 

**********

ولكن ما يلفت الانظار في جميع أنحاء أوروبا هو تزايد القومية وكراهية الأجانب كما رأينا عبر نتائج الانتخابات الأوروبية.

ففي فرنسا، بلغت نسبة الاصوات لصالح حزب الجبهة الوطنية 25% وفي بريطانيا حصد حزب استقلال المملكة المتحدة 27٪، وفي اليونان حصل الفجر الذهبي على 9.5٪ وفي إيطاليا زاد عدد مؤيدي رابطة الشمال قليلا...

ولكن ماذا يثير الاهتمام هو أنه حتى في الدنمارك والنمسا، وهي بلدان لم يحصل فيها بعد أي ارتفاع لمعدلات البطالة او للفقر، فقد وصلت الأحزاب المعادية للمهاجرين والمناهضة لأوروبا إلى طليعة الانتخابات. وهذا دليل على أن الأفكار الرجعية لا تحتاج لأزمة اقتصادية كي تزدهر إذ أن أنانية البرجوازية الصغيرة تكفي لذلك!

هناك بالتأكيد العديد من الاختلافات بين كل هذه الأحزاب.

فبين حزب الفجر الذهبي في اليونان أو حزب جوبيك في المجر اللذان يحملان شعار النازية ويؤسسان الميليشيات للاعتداء على الغجر والمهاجرين، وتلك الاحزاب كحزب الاستقلال البريطاني الذي يمكن تصنيفه من الأحزاب اليمينية البرلمانية، هناك الكثير من الفوارق الصغيرة واستراتيجيات مختلفة.

ولكن جميعا في تشترك على جعل المعركة ضد الأجانب والأقليات من وسائل ترويجها الانتخابي.

فيلدرز الهولندي وعد "بمعالجة" أمر المغاربة والبريطاني فاراج يتهجم بانتظام ضد الغجر. جميعهم يستعملون نفس الغوغائية ضد المهاجرين ويمثلون خطرا على جميع العمال.

وجميعهم، بمن فيهم أولئك الذين لا يتعدى تهجمهم حد الكلام، يرمون بثقلهم على الحياة السياسية، فالجهات الحكومية تزيد تصلب خطابها وسياساتها تجاه الأجانب والهجرة والحدود.

ففي فرنسا، وعد اليسار عند وصوله إلى السلطة بمتابعة نفس الوتيرة بما يخص ترحيل الاجانب .

ناهيك عن تزايد صعوبة المهاجرين للدخول الى فرنسا وكذلك الصعوبة لتجديد تصاريح الإقامة واستقبال المهاجرين لأسرهم.

جميع المكونات تفاقم الازمة موجودة من تزايد العنصرية وتزايد الانفصال بين مختلف الطوائف. والواحدة تتغذى دوما من الاخرى.

يجب ان لا ندع هذه الدوامة أن تتكون ! وهذا يتطلب محاربة جميع الأفكار البغيضة بالأسنان وبالأظافر. وأول هذه الافكار الخلط بين المتعصبين الدينيين الإسلاميين والمسلمين والهجرة.

ولكن أيضا ينطوي محاربة فكرة أن الهجرة تشكل مشكلة بحد ذاتها.

كلا، الهجرة ليست مشكلة! فالمهاجرين هم من العمال، وهم مفيدون للمجتمع. فهم يتنتجون ويخلقون الثروات وذلك في قطاعات البناء والسيارات وتنظيف أو الحراسة وذلك في أسوأ الظروف في كثير من الأحيان.

وكجميع المستغلين، فإنهم يتنتجون ما يزيد عن ما يعود لهم، أي ما يعود إلى جيبة رب العمل. فهذا يكفي للقول أنهم لا يشكلون عبأ ماديا على المجتمع.

فمن يشكل العبأ والضرر المجتمع هم من بين البرجوازية، أي أولئك الذين يستغلون العمال ويقفلون المصانع، هؤلاء الطفيليات على اختلاف جنسياتها الذين لا يفعلون شيئا غير العيش بترف على ظهور المستغلين.

********

بالإضافة إلى التصريحات المعادية للمهاجرين تروج الأحزاب الرجعية التي دخلت البرلمان الأوروبي للعودة إلى الحماية الاقتصادية.

وبهذا أيضا يؤثرون على سياسات الدول. ففي فرنسا بدأت جميع الأحزاب تقريبا بالدفاع بشكل ما عن فكرة الحماية الاقتصادية.

والحماية الاقتصادية هذه فكرة غبية لأن التجارة الدولية هي بمثابة الدورة الدموية، وهي ضرورية بالنسبة للاقتصاد ككل. وهي قبل كل شيء فكرة رجعية وخطيرة مهما كان من دافع عنها من لوبان أو مونتبورغ أو ميلينشون!

وهي تعني أنه يجب أن نحتمي من جارنا، وأن نحمي وظائفنا من العمال في البلدان الأخرى.

إن الغرض من هذه الافكار تقليب الشعوب ضد بعضها البعض.

و الحماية الاقتصادية هي التعبير الاقتصادي للقومية التي تزيد الحدود بين الشعوب. والقومية اصبحت رائجة في اوروبا. ففي فرنسا نجدها لدى اليمين واليسار، وحتى ميلينشون اليساري فقد اصبح بطل الدفاع عن مصالح فرنسا في وجه ألمانيا والولايات المتحدة.

وفي أوكرانيا يمكن أن نرى كيف أصبحت القومية فخا قاتلا للسكان الأوكرانيين.

فمنذ سقوط يانوكوفيتش، بدأت ضغوط العصابات القومية (ومنها النازية) الأوكرانية في الجزء الغربي من البلاد، فردت عليها العصابات الموالية لروسيا في الجزء الشرقي مما أدى إلى انفصال شبه جزيرة القرم عن أوكرانيا.

فلا شيء حتى الآن كان يبعد أولئك الذين يشعرون بأنهم "أوكرانيين" من أولئك الذين يشعرون بأنهم "روسيين". فعلى مدى عقود كانوا يعيشون سوية دون طرح مسألة الهوية، ويتكلمون الروسية أو الأوكرانية وحتى انهم كانوا يمزجون بين هاتين اللغتين. وإن كان بعضهم يرى مستقبله أقرب من أوروبا والبعض الآخر نحو روسيا، ولكن هذا لم يمنعهم من العيش معا والاختلاط حتى داخل الأسرة الواحدة.

فبناء هذه الهوة وجعل الجميع يشعرون أنهم مجبرون على الاختيار بين الموالاة لروسيا أو لأوكرانيا جاء بفعل القوى السياسية والناشطين الذين عملوا على ترويج الاعتقاد بأن هناك تناقض بينهم، وبأن الجانب الآخر عدو مسؤول عن جميع العلل، ذلك في حين أن مشاكل الفقر وإغلاق المناجم والبطالة هي ذاتها بالنسبة للجهتين! وفي حين أنهم محكومون من نفس البيروقراطيين الذين يسلبون الثروات في حين ان الشعب يغرق في البؤس.

ما يحدث في أوكرانيا يجب أن يذكرنا بما حدث في يوغوسلافيا ويكون درسا. إن مسار القومية يؤدي إلى الهمجية. والحركة العمالية يجب عليها محاربة القومية في جميع أشكالها، حتى في اشكالها المخففة. فالسم، وإن كان مخففا، فإنه يبقى سما.

لربما الأممية ليست فكرة عفوية، لكن القومية ليست فكرة عفوية أيضا! فإنه يتم غرسها في العقول منذ سن مبكرة جدا. لذلك، على الحركة العمالية الترويج للعكس، للأخوة بين المستغلين في مختلف البلدان وللأممية.

***********

وهؤلاء الذين يريدون بناء المزيد من الحدود بين الناس لا يرون أي مشكلة في أن يسيطر رأس مال برجوازيتهم على العالم.

الاستعمار قد انتهى ولكن أفريقيا لا تزال تخسر دمها وثرواتها كما كان الحال في عهد الاستعمار. ففي سبيل زيادة الارباح تزيد الشركات الرأسمالية استغلال العمال وتلويث مناطق بأكملها والاعتماد على أسوأ الحكام المستبدين من أي وقت مضى. أنها بذلك تحكم على أفريقيا بالبقاء في التخلف!

وبعد أن قاموا بنهب وتجويع وتقسيم شعوب برمتها يظهر قادة الدول الغنية قلقهم من تزايد زعزعة استقرار القارة. فبعد الإبادة الجماعية المشينة في رواندا، والحرب في الكونغو، تتضاعف الأعمال الوحشية لعصابات المتعصبين.

فبعد تنظيم القاعدة جاءت عصابة بوكو حرام لزرع الإرهاب. وهولاند، هرع كما هو الحال دائما على الفرصة في محاولة لتحسين صورته منددا "باستراتيجية تتعارض مع الحضارة"، استراتيجية "لتدمير الأسس الرئيسية لكرامة الإنسان."

هذه الكلمات تنطبق تماما على وصف تصرفات المستوطنين الذين اكتشفوا أمريكا فأبادوامعظم سكانها الهنديين وأيضا على تصرفات الفرنسيين أثناء غزو القوات الاستعمارية للجزائر وخلال حربها للاستقلال. وتنطبق أيضا على الإبادة الجماعية في رواندا والتي حصلت قبل 20 عاما فقط، وبتواطؤ السلطة الفرنسية.

بالطبع أن خطف العشرات من الفتيات والتفجيرات القاتلة تقوم بها هذه الطائفة هي أعمال وحشية. لكن احتجاجات ميشيل أوباما وغوردون براون وهولاند تثسر لعيان النفس إذ أن بوكو حرام تستمد قوتها من الفقر الناجم عن نهب البلاد من قبل الشركات البريطانية والأمريكية لا سيما في مجال النفط، وكذلك من الكراهية التي تلد بسبب الحروب التي تقوم بها القوى العظمى الاستعمارية في العراق وأفغانستان وأفريقيا.

فحال الفقر المادي يجد صداه اليوم في جميع أنحاء العالم عبر التخلف والهمجية من التعصب الأعمى والتمييز العنصري وعودة قيم القرون الوسطى واضطهاد النساء.

وكون أن بعض الشباب من الدول الغنية مثل فرنسا ينضم إلى هذه القوى الرجعية هو دليل على تعفن المجتمع بشكل عام. فانضمام وتجنيد هؤلاء الشباب للتضحية بحياتهم في سوريا أو أي مكان آخر باسم الدين يجب أن يستهجن المجتمع بأكمله.

وهؤلاء الشباب، بدل أن يوجهون طموحهم نحو المستقبل مع المليء من المشاريع والمشاعر والأحلام، يتوقف طموحهم على كيفية إدخال الشريعة والعودة إلى الماضي. هذا دليل على تعفن المجتمع.

بالتأكيد أن هناك دائما قوى تدعي مواجهة الرأسمالية عبر الرجوع إلى الماضي. ففي روسيا وقت الثورة كان هناك من ينادي بالعودة إلى عهد القياصرة، وفي فرنسا الذين يريدون العودة الى النظام الملكي.

القوى الرجعية هذه كانت دائما موجودة، المشكلة هي حين أنه لا يوجد أي قوى تقدمية بالمرصاد.

في هذا السياق إنه من غير المجدي الاعتماد على موجة اليسار! فمانويل فالس لم يكن مجبورا للذهاب إلى روما لتقبيل يد البابا، وهولاند لم يكن مضطرا لأن يحيط نفسه بملكتي انكلترا وهولندا خلال ذكرى الحرب العالمية الأولى!

لمجابهة هذه القوى الرجعية لا يمكن الاعتماد إلا على قدرة العمال على بناء حزب ثوري جديد.

يجب أن يكون هناك ناس مقتنعون بأن الطريقة الوحيدة لمحاربة الرأسمالية ليست بتشغيل عجلة التاريخ إلى الوراء، وليس بالعودة إلى بداية الرأسمالية، وإنما عبر تخطي الرأسمالية.

نحتاج ألى رجال ونساء يشرحون بأن تخطي الرأسمالية لا يمكن أن يتم إلا بطريقة ثورية. ففي نهاية المطاف كل شيء يعود إلى امكانية العمال على اغتنام الفرصة لتحقيق الاهداف التي يحملونها، وهم وحدهم القادرون على حمل هذه الاهداف وتطبيقها، تلك التي سوف تسمح للمجتمع التخلص من الرأسمالية في سبيل بناء اقتصاد أكثر تطورا.

هذا يتطلب أن يكون هناك حزب. لأن الأمر ليس بأن العمال قد كفوا عن القتال. فكلما هبت الجماهير، سواء في تونس ومصر وسوريا أو في سياق آخر في أوكرانيا، كان العمال من بين المكافحين.

ولكن بغياب حزب يكون هدفه الكفاح لأجل مصالح العمال، وجد العمال أنفسهم يعتمدون على قوى سياسية أخرى. لم تكن لهم سياسية خاصة بهم.

ففي آخر المطاف، عاد العسكر إلى السلطة من جديد في مصر. وفي تونس، ما زالت المواجهة بين "الديمقراطيين" و المتدينين مستمرة، أما حقوق العمال فلا تزال تراوح مكانها. أما في سوريا، فالشعب الذي عبر عن استيائه ضد الأسد أصبح محاصرا في حرب رهيبة باتت ساحة لتدريب الجهاديين، فلا شيء يمكن أن يخرج من أي طرف من أطراف القتال.

في سبيل تقليص مختلف القوى الرجعية التي تنتشر في جميع أنحاء العالم لا يكفي القيام بمعركة أيديولوجية والدعوة إلى مجتمع أكثر تكافلا وإنسانية، بل من التخلص من السماد الذي يولد ويغذيها، أي المجتمع الرأسمالي.

المجتمع الرأسمالي فرض علاقات اجتماعية بعيدة عن الإنسانية لأنه يزيد من عدم المساواة والظلم والهيمنة وتمنع كل تطور انساني. في هذا المجتمع، أولئك الذين ينتجون ما هو ضروري لبقاء المجتمع، العمال والموظفين والمعلمين والممرضات، ليس لهم إلا القليل من الاعتبار. أما الطفيلين المستغلين يستأثرون بالثروة الناجمة عن عمل ملايين الآخرين، ينظر إليهم كمحسنين على المجتمع إن لم يكن كرجال عظماء.

إن المجتمع حيث يكون المقياس لكل شيء هو المال وتراكم الثروات، وحيث يتم شراء كل شيء، الوعي، النساء والرجال، لا يمكن إلا أن ينتهي متعفنا في مكانه!

إذن لا بد من أن تنشأ أحزابا ثورية بوجه هذه القوى الرجعية.

***********

وفي أيامنا هذه، يوجد في وجه تنامي القوى الرجعية الداعية للقومية والانعزالية قوى أخرى تدفع في الاتجاه المعاكس، بدءا من واقع العولمة.

كما أن أحدا لا يستطيع إعادة مياه شلالات في مصدرها فلا أحد يستطيع أيقاف التبادل التجاري وحركة الأفكار والأشخاص عير العالم. فالإمكانيات الفنية والعلمية والإنتاجية للمجتمع باءت متطورة إلى حد لا يسمح بالعودة بالانتاج إلى الوراء، وتطور وسائل الاتصال لا يتيح المجال لعزل الشعوب عن بعضها البعض.

وحتى أولئك الذين يروجون للقومية مجبرون لأقامة علاقات دولية والمشاركة في المؤتمرات العالمية، وتنسيق جهودهم والتبادل على الصعيد العالمي.

ولا أي بلد يمكن له أن يدعي القدرة على حل مشكلة الاحتباس الحراري بشكل انفرادي! وحتى أسوأ القوميين الفرنسيين ليسوا أغبياء بشكل كافي لمحاولة إنتاج كامل في فرنسا.

إن العولمة واقعا لا يمكن الرجعة عنها لحسن الحظ ! ذلك لأننا جميعا سكان هذه الارض ونتقاسم نفس الماء ونتنفس نفس الهواء!

إن المشي على سطح القمر واستكشاف كوكب الزهرة أمر جيد. ولكن يجب علينا أن نفكر أيضا بتغيير الأمور هنا على كوكبنا الأرض التي سوف تبقى مأوانا لبضعة قرون.

بإعادة صياغة الاقتصاد بشكل يمكن في النهاية الإنسانية من السيطرة بوعي على النشاط الإنتاجي، وإعطاء الجميع وفقا لاحتياجاته، يمكن حينها للعمال دفع المجتمع إلى الأمام وفتح حقبة جديدة من التقدم للمجتمع. نعم، يمكنهم فتح صفحة جديدة في تاريخ البشرية.