أزمة الاقتصاد الرأسمالي - 2013

Print
ترجمة

مجلة النضال الطبقي عدد 156 الصادر في كانون الاول 2013

تم صياغة النص في 23 أكتوبر 2013

لم يخرج الاقتصاد الرأسمالي بعد من أزمته التي بدأت مع الأزمة المالية في العامين 2007-2008. ففترة الركود الطويلة التي بدأت في فترة القرن الماضي قد أصبحت الآن شكلا من أشكال وجود الرأسمال العالمي، وإن كانت تتناوب مع فترات قصيرة من الانتعاش الاقتصادي. ولكن فترات الركود قد أصبحت أكثر فأكثر طولا وأكثر عمقا في حين أن استعادة النشاط الإنتاجي قد أصبح أقل فعلية. وهذا يتضح تماما من خل السنوات الخمس الماضية حيث وإن تم تفادي انهيار النظام المصرفي لم يحدث أي إنتعاش حقيقي في النشاط الإنتاجي.

والمؤشر الأكثر موثوقية عن عدم بدأ الاقتصاد بالخروج من أزمته، والأهم من وجهة نظر الطبقات المستغلة، هو كون مستوى البطالة قد تخطى ما كان عليه قبل حدوث الأزمة المالية في نحو جميع البلاد الصناعية وخاصة البلاد الإمبريالية الأكثر غناء في أوروبا وأميركا.

وينعكس الركود أيضا في الإحصاءات حول الناتج المحلي الإجمالي رغم أنه يمزج من دون تمييز بين قطاعي الإنتاج والخدمات بما فيها الخالية من أية منفعة، وكما يمزج بين التزايد الثروات الحقيقي والمصطنع بفعل المضاربات وخاصة في القطاع السكني.

ففي هذا العام 2013 لم تستعيد منطقة اليورو بعد مستوى إنتاجها السابق في العام 2008. فقد تزايد عدد العاطلين عن العمل وأصبحوا 7,8 مليون. وخلف هذه المعطيات الإجمالية لهذه المنطقة يوجد إنتكاسات أكثر كارثية في دول كالبرتغال الذي عاد عشرات السنين إلى الوراء واليونان إثنتي عشرة سنة!

كانت أزمات الاقتصاد الرأسمالي في زمن ماركس تلعب دور المنظم عبر تعديل قدرة الإنتاج الرأسمالية بحسب احتياجات السوق المربحة، إذ أن القدرة الإنتاجية تتوق للتنامي من دون حد بفعل المنافسة. فكانت هذه الأزمات دائما نوعا من التنظيم الفوضوي للاقتصاد الذي يحدث بشكل متأخر فيؤدي إلى تبذير كبير في السلع المادية وفي قوى العمل.

وعندما كانت الأزمة تبلغ حدها الأعمق وبعد أن تتم إزالة الشركات الرأسمالية الفائضة في السوق وبعد عودة معدل مستوى الربح إلى التعافي، كانت تعود مظاهر النمو: فتبدأ الإستثمارات بالتنامي ويتزايد التوظيف أيضا فتنخفض البطالة ويتزايد الإستهلاك أيضا.

فبعد انخفاض معدل الربح في أواخر الستينيات، عاد مستواه إلى الإرتفاع إبتداءا من منتصف الثمانينيات.

ومنذ ذلك الحين بقي معدل الربح على مستوى عال حتى لو كان ذلك مع تغييرات دورية. لكن معدل الربح هذا قد تم الحصول عليه إذا جاز القول، عبر زيادة مستوى الإستغلال. الكلام هنا بطبيعة الحال عن معدل العام للربح دون التمييز بين الشركات الأكثر تناميا وتلك التي تتهالك ويتم شراؤها من قبل شركات أخرى، ولا بين الشركات الكبيرة والصغيرة، وخاصة دون التمييز بين النشاط الإنتاجي والنشاط المالي.

وهكذا، وعلى فترة طويلة، استمرت حصة الرأسمال من الأرباح بالتنامي علي حساب تنامي حصة المعاشات. وهذا ليس إلا شكل من أشكال هذا التطور الذي حصل عبر حساب الطبقات المستغلة.

بعد الحرب العالمية الثانية وخوفا من حدوث إهتزازات ثورية كما حصل بعد الحرب العالمية الأولى، قامت برجوازيات الدول الإمبريالية بتقديم سلسلة من الامتيازات بدءا من الأجهزة النقابية والبيروقراطية النقابية التي تم دمجها داخل جهاز الدولة بشكل لم يسبق له مثيل. وقدمت أيضا التحسينات التي استفادت منها أجزاء كبيرة من الطبقات العاملة والتي كان يسميها لينين آنذاك "الأرستقراطية العمالية" وذلك من حيث حصولها على التعليم المجاني والمعاش التقاعدي والتأمين الصحي وغيرها من التأمينات التي قدمتها الدولة. كل هذه الامتيازات، وإن كانت محدودة، قد أدت إلى تحسين في مستوى معيشة الطبقة العاملة. ولعب التنامي النسبي للاقتصاد الذي تلى الحرب العالمية الثانية على مدة عقدين دورا مساعدا على بقاء هذه التنازلات والتي تم تمويلها بشكل خاص عبر نهب الدول الفقيرة وزيادة إستغلال البروليتاريا في هذه البلدان. فأدت هذه التنازلات إلى تأمين شيء من الاستقرار الاجتماعي في الدول الأمبريالية.

لكن منذ بداية السبعينيات وبوجود الإنكماش الإقتصادي والركود المتكرر، بدأت البرجوازية وما زالت تتراجع عن هذه التنازلات في جميع المجالات من التعليم إلى الصحة إلى التقاعد. وقد ساعدها في ذلك ضعف الحركة العمالية في هذه الفترة. وهذا التدهور تم عبر فترة طويلة من الزمن ولن تعيد البرجوازية هذه التحسينات إلا إذا شعرت بأنها مهددة من جديد.

والنتيجة لكل ذلك أن مستوى الفروقات الاجتماعية قد بلغ أعلى حد له منذ أي وقت مضى (على كل حال منذ سنوات 1920 والأزمة التي تلت الخميس الاسود عام 1929) وكما أشار مؤخرا تقرير صدر في أكتوبر 2013 عن بنك الكريديت السويسري* بأنه مع تنامي الدخل العام لا يزال الفارق بين الطبقات يتزايد بشكل كبير. فالطبقات المالكة قد بلغت حدا تاريخيا من الاغتناء في حين أن عدد سكان القابعين تحت خط الفقر قد بلغ أرقاما قياسيا حتى في الدول الغنية. وإن اختلف حد الفقر بين الدول فإن هذه الأرقام تشير إلى تغيير توازن القوى الطبقية لمصلحة البرجوازية.

ويأتي تزايد البطالة نفسه حتى في الدول الإمبريالية ليشكل "الجيش الاحتياطي الصناعي" الذي تكلم عنه ماركس والذي يعطي للبرجوازية القدرة على الضغط على مستوى المعاشات وعلى ظروف عمل البروليتاريا بأجمله.

ورغم المستوى المريح الذي بلغته نسبة الأرباح إلا أن قسما قليلا فقط منها قد تم استثماره في عملية الإنتاج. فالاستثمار الإنتاجي قد بقي مستواه منخفضا على مدة فترة طويلة، حتى أن تعبير الاستثمار الإنتاجي قد بدأ يضم عمليات شراء الشركات ومنها الشراء بهدف المضاربة عبر بيع الشركات، أي دون زيادة الإنتاج. "فهذه "الاستثمارات" لا تؤدي إلا إلى زيادة تركيز رأس المال دون تطور الإنتاج ولا زيادة العمالة. بل على العكس، فمعظم حالات تركيز رؤوس الأموال قد ترافقت مع إعادة هيكلة الشركات عبر التخلي عن أقسام من الإنتاج وخصوصا عبر إلغاء عقود العمل بشكل كبير.

وإن الأشكال المختلفة من المضاربة التي يولدها تنامي سوق المال ليست جديدة فالمضاربات قديمة كالرأسمالية وترافقها جنبا إلى جنب وتشكل شكلا من أشكال الرأسمالية. وموجات المضاربة غالبا ما سبقت ورافقت أزمات الاقتصاد الرأسمالي.

لكن ما يميز المرحلة الحالية من الرأسمالية هو طول مدة هذه الفترة من المضاربات المالية والتي تمتد على فترة عدة عقود، حيث يبدو أن سوق المال بدأت تنفصل عن العملية الإنتاجية وتعيش حياتها الخاصة عبر اختراع العديد من الأدوات المتزايدة تعقيدا، كما أن لطول هذه الفترة تأثيره على تطور الحياة الاقتصادية بشكل عام.

لن ندخل هنا في تفاصيل "الأدوات المالية" التي أصبحت على اختلاف أشكالها أدوات للمضاربة. وهو ليس بمقدورنا تعداد هذه الأدوات ذلك أنه يتم اختراع الكثير منها بشكل دائم وحتى أن المضاربين بحد ذاتهم يعجزون عن فهمها في بعض الأحيان.

ومنذ بدأ المرحلة الإمبريالية للرأسمالية شكلت أسهم وسندات الشركات وتلك التابعة للدولة الوسيلة المفضلة للقيام بالمضاربات، كما أضيفت إليها المضاربات على أسعار الصرف منذ أن توقف استخدام الذهب كوسيلة عالمية للدفع. بشكل عام، تستند الأدوات المالية التي ظهرت خلال العقدين والثلاثة عقود الماضية على فكرة تقديم الحماية ضد الخسائر غير المتوقعة بسبب المضاربات. فعلى هذا النحو لا يوجد حد للتركيبات إذ يمكننا التأمين ضد قلة موثوقية تأمين ما، وهلما جرى. فيؤدي تغيير بسيط بسهم ما أو بسند ما أو بسعر صرف ما إلى تغيير متضاعف في الأدوات التي تم تركيبها على أساسه فينتج عن ذلك تقلبات كبيرة في سوق المال.

النتيجة الأساسية لكل هذا التطور هي زيادة قيمة الرأسمال المالي مقارنة بالرأسمال الصناعي، الأمر الذي يولد قوة جذب لرؤوس الأموال لصالح الرأسمال المالي الذي تزيد بذلك قيمته أكبر، فتزيد بذلك قوة جذب رؤوس الأموال نحوه، وهلم جرا...

والأهم من ذلك أن تحول الاقتصاد نحو المداولات المالية قد أثر على الحياة الاقتصادية بأكملها وبمختلف مستوياتها. فهذا التحول من الاقتصاد الإنتاجي إلى الاقتصاد المالي قد بدأ تطوره بالتزايد في بداية السبعينيات منذ انتهاء ربط الدولار بالذهب ومع نهاية النظام النقدي العالمي المسمى ب "بروتون وودز". وأدى طول مدة هذا التحول إلى تغيير تركيبة الاقتصاد الرأسمالي بشكل عميق ونهائي على الأرجح. لنلاحظ بأنه حتى قبل انهيار نظام النقد الدولي وإدخال تعويم أسعار الصرف كان اختراع " اليورو دولار" قد أعلن بداية مرحلة التحول نحو الاقتصاد المالي وكانت الاستثمارات ضمن البترو دولار أول تعبير رئيسي لهذا التحول.

كما أدى التحول المتزايد للاقتصاد نحو المداولات المالية إلى التأثير على كيفية إدارة الشركات نفسها حيث يتم إدارتها أكثر فأكثر بهدف تعزيز قيمة أسهمها في السوق. وأدى أيضا إلى تغيير الارتباطات ما بين مختلف قطاعات الاقتصاد إذ أصبح الطلب على المواد الأولية أقل ارتباطا باحتياجات الصناعة منه بالتقلبات العشوائية الناتجة عن المضاربة المالية.

نذكر على سبيل المثال ما جاء في كتاب مخصص للأزمة المالية بقلم جان ميشال نولو، وهو العضو السابق في إدارة الأسواق المالية الفرنسية، حين تطرق إلى أزمة البترول الذي ارتفع سعره بين ال2007 وال2009 إلى الضعف ليصل إلى 145 دولار في 2008 قبل أن يعود إلى النصف أو حتى الثلث في الأشهر التالية (إلى ال40 دولار في آذار 2009) ليشير بأن جميع المواد الأولية من الطاقة والمعادن والمواد الزراعية قد أخذت نفس المنحى بسبب المضاربة المالية.

وعلى سبيل المثال أيضا ما ذكرته مجلة نيويورك تايمز حول البنك الكبير جولدمان سكس* الذي لم يعد يكتف بالمضاربة على ارتفاع اسعار الألمنيوم بل أيضا يقوم بافتعال ارتفاع الأسعار الذي يضارب عليها حيث كان يقوم بتخزين ربع الألمنيوم الموجود في السوق. وكما حددت هذه المجلة فأسواق البترول والقطن والقمح والقهوة وغيرها قد جاءت بمليارات الأرباح لبنوك الاستثمار مثل جولدمن وجي بي مورغان شايس* ومورغن ستان لاي* في حين كان المستهلكون مجبرين على دفع المزيد في سبيل إنارة منازلهم والتحرك بسيارتهم أو حتى شرب البيرة أو شراء تلفون محمول.

كما أشار تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية في 17 سبتمبر بأن تدخل المؤسسات المالية يشكل 85% من مجموع التدخلات التي تحصل على المواد الاولية من شراء وبيع، أما الاوراق والسندات المالية فتبلغ قيمتها بين ال20 وال30 مرة قيمة المواد الاولية التي اشتقت منها. فأشار التقرير بأن التحول المالي للاقتصاد قد أصبح السبب الرئيسي في تطاير أسعار البترول وغيرها من المواد الأولية.

وقد أصبح كل شيء عرضة للمضاربة حتى الفقر الذي أنتجته الأزمة ذاتها. فقد قدم الرأسمال المالي الحل لانخفاض القدرة الشرائية عبر عروض التسليف المغرية التي قدمتها البنوك في الولايات المتحدة بشكل خاص. فقد كانت إحدى النتائج الخطيرة لسياسة الدين هذه في الولايات المتحدة هي حصول ما سمي بأزمة الرهن العقاري عام 2007. فمئات الآلاف من العائلات المتواضعة التي كانت مجبرة على استلاف الاموال بهدف الحصول على مسكن لها تم طردها من منازلها من قبل البنوك عندما لم تلبي هذه العائلات المدفوعات المستجدة عليها (وهي ما تزال تقوم بطرد العائلات حتى يومنا هذا)!

وبسبب وسيلة " التوريق" المالية لعقود الدين التي أدت إلى تشتيت أجزاء الرهونات العقارية في أوراق العديد تملكها البنوك الكبرى في العالم، دخلت سوق المال، بفعل الازمة العقارية، في أزمة ما زالت تدوم حتى يومنا هذا.

والديون المتعلقة بالرهن العقاري ليست إلا جزءا من الديون الخاصة وقد ازداد دين العام للعائلات في الولايات المتحدة من 65% من الناتج المحلي الإجمالي عام 1995 إلى 103% عام 2013. ذلك يشير إلى الكمية المتزايدة من الاموال التي يقوم سوق المال بسحبها من العائلات الأكثر تواضعا.

وتشارك الدول نفسها في سياسة المديونيات هذه عبر فتح سوق الأموال للشركات بشكل عام وعبر وضع المزيد من الأموال بتصرف النظام المصرفي. لذلك تتزايد ديون الدول بحد ذاتها التي من أجل الاستمرار بمساعدة المصارف تقوم بالاستدانة من أسواق المال أي عند المصارف ذاتها. وهكذا تقوم بإتمام الدائرة بشكل كامل ليتغذى بشكل ذاتي. وعلاوة على ذلك يؤدي تزايد ديون الدول ذاتها إلى تزايد إرتباطها بالبنوك حيث تقوم هذه البنوك بالمضاربة على الديون " السيادية" التي أصبحت أداة بين الأدوات المالية التي يراهن عليها، الأمر الذي أدى إلى موجات المضاربة الكبيرة ومنها الموجة التي قامت بتهديد اليورو عدة مرات.

إن مجمل هذا التحول نحو اقتصاد التمويل واقتصاد الدين والتسليف يؤدي إلى تدمير إمكانية الازمات على احداث التعديل الرجعي كما العادة في الاقتصاد الرأسمالي. ثم أن قيام الدول والمؤسسات المصرفية بحقن الأدوات المالية بشكل متكرر لا يقوم إلا بتأجيل حدوث تعديل الاقتصاد عبر الأزمات، وهو في هذا التأجيل يقوم بالتحضير لأزمات أكبر.

وتؤدي هذه الأدوات المالية إلى جعل الاقتصاد المالي أكثر فأكثر تطايرا. آخرها أدوات المضاربة الفائقة السرعة التي تقوم بها الكومبيوترات والتي تسمح بجلب الأرباح عبر تغيير في الأسعار مدته لا تزيد عن بضعة أجزاء من الثانية. يزداد على ذلك كون أن المضاربة على أنواعها ترتكز على المراهنة على أية حدث من أقل إعلان يصدر من قبل رئيس الإحتياط الإتحادي الأميركي أو البنك المركزي الأوروبي، أو حدوث أي أزمة سياسية كما في إيطاليا حول تهريجات برلسكوني أو أقل تغريدة على التويتر تؤثر في نفوس أصحاب المال- حيث أن تحليل تغريدات على التويتر يبدو أنها بصدد أن تصبح اختصاص بحد ذاته بشأن التكهن المالي (مجلة الأصداء الاقتصادية)، يؤدي كل ذلك إلى إحداث الهزات الاقتصادية على اختلاف قوتها.

وقد أشار نولو في كتابه إلى حدوث سلسلة من الأزمات منذ عام 87 وحتى 2010 لا يقل عددها عن ستة أزمات تشمل أزمات في البورصة وفي قطاع السكني وقطاع الأنترنت وغيرها من الفقاعات. ويحدد بأنه منذ العام ال2000 قد عاش العالم ما يزيد عن نصف الوقت في حالة متأزمة ما يعني في خوف من حدوث انهيار في التركيبة المالية العالمية مع كل العواقب الممكنة على الاقتصاد الفعلي.

قد تم بلوغ أوج هذه التقلبات مع الأزمة المالية في العام 2008 والتي أدت إلى انعدام الثقة بين البنوك وبذلك إلى تعطيل حركة الأموال بينها الأمر الذي وضع القطاع المصرفي على حافة الانهيار. وأمام خطر حدوث انهيار مشابه لانهيار الخميس الأسود في عام 1929 قامت الدول بوضع كميات الهائلة من الأموال تحت تصرف البنوك في سبيل إعادة تحريك العجلة المالية. فقام البنك المركزي الأميركي في تاريخ 15 أيلول 2008 بحقن ما يزيد عن 2000 مليار دولار في العجلة المالية، وبعدها مبلغ مشابه في 2 نوفمبر في 2010. ثم قام بعدها بسياسة مساعدة دائمة للبنوك منها عبر تخفيض معدل فائدة الدين الإداري إلى مستوى قياسي (0,25%) ما يعني أنهم قاموا بتسليف المال بشكل مجاني للبنوك التي حققت أرباح عالية عبر تسليف هذا المال بفائدة عالية. ومن ناحية أخرى يستمر البنك المركزي الأميركي بشراء كميات هائلة من الأوراق المالية بما في ذلك تلك الفاسدة بسبب ارتباطها بالرهن العقاري، مخصصا في سبيل ذلك ما يزيد عن ال85 مليار دولار شهريا.

وقد تمكنت الولايات المتحدة من تجنب حدوث الانهيار المالي لكن اقتصادها أصيب بتباطؤ زادت مدته عن ال18 شهرا وهي الفترة الأطول منذ الكساد الكبير الذي نتج عن أزمة العام 1929.

وقد قام البنك المركزي الأوروبي بنفس السيناريو مستعينا بجيش من المختصين بالشؤون القانونية في سبيل تخطي قوانين الإتحاد الأوروبي التي كانت تمنع بعض الممارسات التي أصبح الاقتصاد المالي بحاجة إليها.

وقد قدرت صحيفة لو فيجارو في 23 سبتمبر أن المبالغ التي صرفت بسبب أزمة المصارف خلال الخمس سنوات التي مضت قد قدرت إلى 5 آلاف مليار دولار ثم يحدد المقال بأن تلك الأزمة التي بدأت مع انهيار بنك لهمان بروذر* قد فتحت أزمة كبيرة في الرأسمال المعولم سوف تمتد على ما يزيد على عقد من الزمن حتى تعود البطالة وديون الدول للانخفاض، مذكرا بأنه قد احتاجت الأزمة في عام 1925 إلى ربع قرن وحرب عالمية في سبيل تخطي نتائجها على الاقتصاد.

وفي الاجتماعات العديد للدول ال20 الكبرى التي أعقبت هذه الأزمة، قام رؤساء هذه الدول المصابون بالهلع أمام الأزمة المالية، بالتعهد بأنه لم يعد ممكننا ترك الحرية لعشرات البنوك الكبيرة التي تهيمن على الحياة المالية العالمية. كما أكدوا على ضرورة تنظيم هذه البنوك لأنها تهدد الاقتصاد العالمي بأكمله. لكنه لم يبقى شيئا من هذه القرارات العظيمة. ناهيك عن بعض الدعوات القضائية في حق بعض المضاربين الذين قاموا بالسرقة والذين تم تحويلهم إلى كبش فداء من قبل المصارف التي يعملون فيها وغير تجريم بعض كبار اللصوص كمادوف... فالتدابير التي اتخذت لم تحتوي إلا على قدر قليل جدا من التدابير التنظيمية. أصبح على البنوك الآن الاحتفاظ بالمزيد من الأموال والأوراق المالية النظيفة، وكأن ذلك سوف يمكنها التصدي لموجات المضاربة الكبيرة ! أما بعض التدابير الاحترازية التي فرضت فقد تم تجنبها بسهولة من قبل البنوك وذلك خاصة بأن الأجهزة الموكلة عملية المراقبة ليست إلا منبثقة من البنوك ذاتها ومنحازة إليها كليا بطبيعة الحال...

ذلك غير كون هذه التدابير لا تشمل إلا البنوك المعلنة. فبجانب هذه البنوك قد ازدهرت حتى قبل الأزمة الحالية وما زالت تزدهر ال شادو بانكينج* أي ما يعني نظام الظل المصرفي، وهو عبارة عن مؤسسات مالية غير مقترنة بالقواعد وبالأنظمة المصرفية. فنظام الظل المصرفي هذا وبشكل خاص صناديق الهادج فوندوز* (صناديق التحوط) قد تأثرت بشكل كبير في العام 2008 بانهيار قيمة الأوراق المالية المتعلقة بالرهون العقارية، فتعرضت بعض صناديق التحوط هذه للإفلاس، لكن كميات الأموال التي ما زالت تتعامل هذه الصناديق بها تعادل الناتج المحلي الأميركي. وبحسب منتدى الاستقرار المالي*، تنقسم مجموع الأموال التي تديرها الولايات المتحدة على النحو التالي: 22% للبنوك 27% لشركات التأمين وصناديق التقاعد، 11% للمؤسسات المالية العامة و5% للبنك المركزي و 35% لنظام الظل المصرفي.

لكن حتى التمييز بين المصارف الخاضعة للتنظيم المصرفي وتلك غير الخاضعة له هو تمييز خاطئ بحد ذاته. ليس فقط بأن هذه المصارف مرتبطة ببعضها البعض ارتباطا وثيقا ولكنهما تشكلان شكلي وجود لنفس التكتلات المالية. ومن بين حجج الناطقين باسم المصارف التي ترفض حتى المحاولات الخجولة للتنظيم المصرفي التي تضمنتها اتفاقيات بال 3 " Bales III" ، بأن هذه القوانين لن تؤدي إلا إلى تحريك رؤوس أموال البنوك التي تحترم تلك القواعد نحو تلك الكامنة في الظل. على أية حال فبالنسبة لي الطبقات الشعبية كل المصارف هي عبارة عن "مصارف في الظل". فالوسيلة الوحيدة لإبعاد هذه الظلال هو إلغاء السرية المصرفية بشكل كامل.

والوسيلة الوحيدة لتنظيم النظام المصرفي تكون بمصادرة المصارف من مالكيها ومن أصحاب الأسهم وجعلها ملكية جماعية تحت سيطرة الشعب.

ونتيجة الأزمة المالية واضحة عبر ما تم تسجيله في 5 سنوات الماضية: فالكميات الهائلة من الأموال التي وضعتها الدول في عهدة المصارف فقد ساهمت في زيادة المضاربات بنسب هائلة. ففي نيسان 2010، وبحسب دراسة أجرتها بنك التسوية الدولية، قد تم يوميا تبادل ما يزيد عن ال4000 مليار دولار في سوق الصرف، وبعدها بثلاثة سنوات تعدت هذه المبالغ ال5300 مليار دولار، وهي مبالغ لا تتناسب أبدا مع كمية التبادل العالمية للسلع والخدمات. وبحسب نولو، فقد بلغ حجم التبادل المالي في سبعينيات القرن الماضي حوالي ال 20% من ناتج المحلي الإجمالي العالمي في حين أنه اصبح اليوم يشكل 15 مرة الناتج المحلي الإجمالي العالمي و65 مرة حجم التجارة العالمية. كما أن حجم تداول حجم نمو السوق المالية العالمية قد زاد من 9000 مليار دولار في أواخر التسعينيات إلى 57 ألف مليار دولار آخر ال2010.

لكن جزءا قليلا جدا من هذه الأموال تم استثمارها في الإنتاج الذي ما زال راكدا في الدول الأوروبية وحتى في الولايات المتحدة. فالاستثمارات الإنتاجية فقد انخفضت بنسبة 1,2% في ال2012 وهي ما زالت تنخفض بنفس الحجم في 2013. البطالة ما زالت تزداد في حين أن كمية الاموال المتبادلة قد بلغت حدا قياسيا الأمر الذي ينعكس على زيادة تطاير الأسواق المالية.

خلال هذه ال5 سنوات حصلت أزمات مالية جديدة كتلك التي أصابت منطقة اليورو وخاصة اليونان وقبرص ومازالت تهدد دولا أخرى. وفي أيار 2013 أصيبت الأسواق المالية بالهلع بسبب إعلان رئيس المجلس الاحتياطي الإتحادي الأميركي عن نيته إبطاء سياسة التيسير الكمي، فأدى هذا الهلع إلى سحب الأموال من دول كالبرازيل وإندونيسيا وتركيا وغيرها لإعادة استثمارها بالولايات المتحدة الأمر الذي أدى إلى تهديد عمولات هذه الدول. ذلك مع التذكير بأن الأزمة المالية الأميركية التي حصلت في عام 1920 كانت قد انتقلت إلى المانيا بسبب هذا النوع من التحويل المفاجئ للأموال من المانيا نحو الولايات المتحدة.

ومن النتائج الأخرى لسياسات دعم النظام المالي هو تضخم ميزانيات البنوك المركزية. ففي حال البنك المركزي الأميركي - وفقا لصحيفة لوموند- ازدادت ميزانيته العمومية بين عامي 2006 و2013 من ال5% إلى ال20% من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، وهي المرة الأولى التي تصاب الميزانية العمومية لبنك مركزي بهذه النسبة من التضخم.

لكن جميع العاملين في القطاع المالي يعلمون بأن الأوراق المالية التي اشترتها البنوك المركزية تحتوي على جزء كبير من الأوراق الفاسدة. فأصبحت البنوك المركزية بدورها عرضة للمضاربة بشكل متزايد. وهذا لن يؤدي إلا إلى تفاقم حركات المضاربة مع المراهنة هذه المرة على قدرة البنوك المركزية على الصمود، وبالتالي إلى تفاقم المراهنة على العملات التي تصدرها.

وبإسم هذه الديون تقوم الدول بفرض سياسات تقشف تختلف بقساوتها لكنها تؤدي إلى نفس العواقب في جميع الدول: خفض الإنفاق على الخدمات العامة المفيدة للسكان وخفض عدد الموظفين في القطاع العام بما فيها القطاعات الضرورية في حياة الناس مثل الصحة والتعليم... وإنه بإسم هذه الديون السيادية "وضرورة" الالتزام بتسديدها تقوم الحكومات بالترويج لفكرة ضرورة رفع الضرائب التي تلقي بثقلها على الطبقات الشعبية، وبإسمها يبدأ إدخال المفهوم الذي يقول بأن الخدمات العامة يجب أن تكون مربحة حتى الحيوية منها كالمستشفيات وما إلى ذلك...

وعلى تنوع الوسائل التي يتم بها سحب الأموال من الشعب فالمعنى واضح من الناحية الطبقية: الأمر يتعلق بعملية عملاقة من تحويل الأموال من الطبقات المستغلة نحو رأس المال المالي، أي البرجوازية الكبرى.

وهذه المضخة المالية تتعزز بشكل تلقائي، فكما ورد في مجلة الاصداء في تاريخ 17 أكتوبر 2013 تحت عنوان "منطقة اليورو ما زالت في دوامة الدين" بأن دول هذه المنطقة قد أصبحت مجبورة، في سبيل تسديد ديونها، باقتراض ما بين ال850 وال900 مليار يورو في الأسواق العام المقبل.

ثم يستنتج كاتب المقال بأن الدول، بفرضها لسياسة التقشف الوحشية على شعوبها، سوف تقلص في المستقبل حجم الاقتراض الضروري لتسديد نفقاتها في مجال الخدمات العامة، لكن فوائد الديون قد ازداد ثقلها مع الزمن. فيشير المقال على سبيل المثال إلى ألمانيا التي يعتبر حالتها مريحة على المستوى المالي، فبرلين لن تحتاج إلا إلى ستة مليارات يورو من ديون جديدة إلا أنه يتوجب عليها اقتراض 150 مليار يورو في سبيل تسديد الديون القديمة! ذلك يعني أن الضغوط على الطبقات الشعبية سوف تتزايد باستمرار مهما كانت التضحيات التي فرضت عليهم في السابق.

وذلك طبعا من شأنه أن يزيد من حدة الأزمة الاقتصادية عبر تقليص الطلب في السوق الذي يعتمد على القدرة الشرائية للطبقة العاملة.

إن دور التمويل وتحديدا البنوك يكمن بإعادة توزيع رؤوس الأموال بشكل يساعد على إستثمارها في الإنتاج مما يسمح بتكاثر رأس المال دون انقطاع. لكنه منذ زمن طويل، منذ تطور الأمبريالية، لم تعد البنوك تلعب هذا الدور المتواضع. فالرأسمال المالي قد انصهر مع الرأسمال الصناعي ليفرض سيطرته على مجمل الحياة الإقتصادية. وكما أشار لينين فقد انصهرا أيضا مع الدولة الرأسمالية عبر وضعها تحت أمرة قوانين سوق المال. وما التوجه المالي المتزايد للاقتصاد إلا سببا يجعل الدولة الرأسمالية تقوم بتحقيق كل ما يطلبه الرأسمال الكبير من الأعمال القذرة. فيبلغ بذلك تطفل الرأسمال الكبير على الاقتصاد حدا غير مسبوق.

ولكن العديد من الخبراء الاقتصاديين المدافعين عن النظام الرأسمالي، وضمنا عن مصالح البرجوازية، يلاحظون التناقض بين هذه السياسات التعسفية وما تشكله من عقبة للانتعاش الاقتصادي المأمول. ويلاحظ بعضهم المشكلة اللامتناهية التي تشكلها ديون الدول وضرورة تسديد هذه الديون التي سوف تصطدم حتما بعدم قدرة بعض الدول على تسديدها، خاصة وأن كلما زادت هذه الديون، كلما زادت تكلفتها.

وإن هذا ما دفع بدول منطقة اليورو بإنشاء ما سمي ب"آلية الاستقرار الاوروبية" وهو عبارة عن صندوق طوارئ مهمته تمويل خطط انقاذ الدول المتواجدة على حافة الافلاس. ذلك يعني أنه يقدم ضمانة للبنوك بكسب الاموال على ظهر الدول حتى وإن دفعتها نحو الافلاس بسبب ثقل سياسة الاقتراض التي طبقتها عليها.

وهكذا يتم اقحام مجموع الطبقات المستغلة في منطقة اليورو في هذه العملية.

لكنه ورغم المبالغ الطائلة الممنوحة لهذه الآلية، 700 مليار يورو، إلا أنه لا يمكن لهذه الآلية أن تتعامل مع افلاس دول بحجم اسبانيا أو إيطاليا. و"آلية الاستقرار الاوروبية" هذه تشكل بدورها مساحة للمضاربات المالية، حيث أنها تحتاج لتمويل نفسها في سوق المال عبر اصدار السندات المالية. وكما اشارت مجلة الاصداء في 9 أكتوبر، فقد قد أعرب المستثمرون عن سعادتهم بوجود هذه الالية الجديدة، وذلك باستثمار 21 مليار يورو خلال أقل من ساعة في أولى السندات التي أصدرتها. وهم طبعا يفضلون المضاربة على "حصان" من هذا الحجم على المضاربة على دول كاليونان وأيرلندا.

ورغم كل هذه التركيبات المالية لا تزال منطقة اليورو نواة لبداية محتملة لأزمة مالية أخثر خطورة من التي عرفناها حتى الآن. وإن تمكن قادة الدول الامبريالية والبنكين المركزيين الاوروبي والأميركي من سد الفجوات في اليونان وأيرلندا وقبرص... إلا أن ذلك لا يغير شيئا من طبيعة المشكلة الاساسية في منطقة اليورو والتي تكمن في وجود عملة واحدة دون أن تكون تابعة لدولة واحدة بل لتكتل من الدول لكل منها سياسته المالية و الاقتصادية ونظامه الوظيفي الخاص، والاهم من ذلك كون كل من هذه الدول تدافع عن مصالح برجوازيتها الخاصة والتي قد تختلف مع مصالح البرجوازيات في الدول الاخرى.

ثم أن البنك المركزي الاوروبي الذي ظهرت سلطة في الآونة الاخيرة أعلى من سلطة بعض الدول الأوروبية إلا أنه في الحقيقة يمثل مصالح الدولتين الاساسيتين في الاتحاد وهما ألمانيا وفرنسا، بوجه مصالح الدول الخمسة عشر الاخرى. وهو، باستقلاليته المحدودة، عاجز عن حل الخلافات بين الدول الامبريالية.

فأي عملة لا ترتبط بدولة واحدة مصيرها الخضوع لمراهنات دورية من قبل الاسواق المالية عبر اللعب على ديون الدول الاعضاء بزيادة سعر الفائدة هنا وبخفضه هناك.

وتشكل الولايات المتحدة أيضا بؤرة لانطلاق أزمة جديدة محتملة. فإذا كان الامدادات المالية المتواصلة من قبل بنكها المركزي قد سمح باستكمال سريان العجلة المالية بشكل يسمح للرأسمال المالي بتحقيق الارباح العالية، إلا أن مستشاريها الاقتصاديين يدركون جيدا أن هذه السيولة ما زالت تصب في المضاربات بشكل يغذي تطور فقاعات مالية جديدة قد تنفجر من جديد.

وما يشغل بال القادة الكبار هو كيفية التمكن من الخروج من الازمة الحالية. فإن إيقاف در الاموال بشكل مجاني في الاسواق المالية يمكن أن يعيد تفعيل الازمة من جديد. لا أحد من الاختصاصيين يعرف كيفية حل هذه المعضلة.

وكان نولو قد أشار في نهاية كتابه إلى ضرورة وضع القيود على النظام المالي وتحديد تأثيره على أسعار المواد الاولية ووضع الضرائب على المعملات المالية والقضاء على الملاذات الضريبية وغيرها من المقترحات المقيدة لينتهي بالتكلم عن ضرورة إعادة البنوك إلى وظيفتها الأساسية، وهي خدمة العجلة الاقتصادية!

نعم لكن من سوف يقوم بفرض كل ذلك وكيف ؟

إن تخوف البرجوازية وتخبط اختصاصيي الاقتصاد أمام الازمة يدلان على عمقها و خطورتها.

والأكثر راديكالية من علماء الاقتصاد الذين يلهمون مناهضي العولمة ينادون بسياسة اقتصادية مغايرة، لكن ضمن حدود النظام الرأسمالي، لا تتضمن أي وجود لسوق المال، أو على الاقل لبعض انعكساتها السلبية. فينادون بإلغاء ديون بعض الدول الفقيرة وأحيانا بإلغاء ديون الدول كليا. لكن إلغاء الديون ليس إلا جزء من سياسة الدين حيث أن المرابي يفضل تجنب إغراق المستدين من ثقل الربا، وذلك فهدف الاستمرار بسلب الاموال منه. وقد تم في السابق إلغاء بعض الديون وكان آخرها الغاء جزء من ديون اليونان.

لكن من وجهة نظر الطبقة العاملة، فبعيدا عن ثقل سوق المال على الاقتصاد وحجم ما تمتصه من فائض القيمة، الاهم يبقى في الحجم الاجمالي لفائض القيمة الذي يتم سلبه منها، وذلك مهما كانت الوجهة النهائية لهذه الاموال.

وفي نص خصصته منذ زمن طويل حول "ركود الماركسية وتقدمها"، حددت روزا لوكسمبورغ أنه من وجهة النظر العملية للصراع الطبقي، "المسألة النطرية الاهم هي في كيفية تكوين فائض القيمة أي في الشرح العلمي لعملية الاستغلال وأيضا في الشرح العلمي لعملية توجه النظام الانتاجي نحو الاشتراكية، أي ما يعني إدراك الأسس الحسية للثورة الاشتراكية". ثم لتزيد بأن كيفية توزيع فائض القيمة بين مختلف المجموعات الرأسمالية المتنافسة فيما بينها ليس له أهمية مباشرة بالنسبة للنضال الطبقي للبروليتاريا.

إن الانتهاء من سيطرة سوق المال يتطلب أكثر بكثير من مجرد تغيير لقواعد اللعبة ضمن النظام الحالي. إذ يتوجب حدوث تغييرات جذرية للعلاقات الانتاجية وذلك يحصل عبر الذهاب ب"الصراع الطبقي للبرولتاريا" إلى حده الأقصى، أي إلى الاستيلاء على السلطة ونزع الملكية من يد البرجوازية. فالتنظيم الاقتصادي والاجتماعي الجديد لا يمكن بناؤه إلا على أنقاض الرأسمالية.

والعلماء الاقتصاديون الاكثر عقلانية، ومنهم أولئك الذين يريدون الدفاع عن ضحايا هذا النظام الاقتصادي، يصطدمون بالجدار الفولاذي الذي تشكله مصالح الطبقة التي اختاروا الانضمام اليها. وهي الطبقة العمالية وحدها، بتنظيمها الثوري والواعي لمصلحها الطبقية ومصالح المجتمع، القادرة على اجبار النظام المصرفي والبنوك، ما يعني البرجوازية بشكل عام، على اللقيام بما ليست مستعدة على القيام به طوعا: الانتهاء ن الملكية الخاصة لوسائل الانتاج وكل ما ينتج عن ذلك من منافسات في الاسواق وتطور سوق الاموال لدرجة هيمنتها على الاسواق.

وكان تروتسكي قد أشار في زمنه إلى نضوج البوادر الموضوعية لحدوث الثورة البروليتارية. وهذه البوادر، من كثرة نضجها، كانت قد بدأت بالتعفن، وكانت الفاشية والحرب العالمية احد أهم الدلائل على ذلك.

لكن الرأسمالية، بعد أن كلفت ما يزيد عن ال 60 مليون ضحية خلال الحرب العالمية الثانية، قد استعادت نفسها من جديد. وها هي الآن قد بدأت تظهر مظاهر التعفن من جديد.

وكما أضاف تروتسكي: "كل شيء يعتمد على البروليتاريا، وهذا يعني أولا وأخيرا، على طليعته الثورية"، فإعادة بناء هذه الطليعة الثورية وإعطاء الطبقة العاملة الوعي بدورها التاريخي والثقة بقدرتها على القيام بهذا الدور هو الآن، كما في زمن تروتسكي، الوسيلة الوحيدة للخروج من الطريق المسدود الذي تقدمه الرأسمالية للإنسانية.

*

بنك الاعتماد السويسري = Credit Suisse

جولدمان سكس = Goldman Sacks

جي بي مورغان شايس =JPMorgan Chase

مورغن ستان لاي = Morgan Stanley

لهمان بروذر = Lehman Brothers

الاصداء = les échos

ال شادو بانكينج = shadow banking

الهادج فوندوز = Hedj Funds

منتدى الاستقرار المالي = Financial Stability Forum