جمهورية أفريقيا الوسطى : الإمبريالية الفرنسية، المسؤول الأول عن الفوضى - 2013

Print
ترجمة

من جريدة النضال العمالي، عدد 2367، في 13 كانون الاول 2013.

يتدخل الجيش الفرنسي الآن في أفريقيا الوسطى كما يقوم في مالي. الهدف الرسمي لهذه العملية هو إنهاء المذابح ونزع السلاح من أيدي الميليشيات التي ترتكب هذه المذابح. وبحسب ما جاء في الإعلام، الناس، على الأقل جزء منهم، يصفقون لوصول الجنود الفرنسيين. وهو أمر يمكن تفهمه بعد مذابح الشهور الأخيرة. إلا أن للوجود الفرنسي في جمهورية أفريقيا الوسطى سجل أسود للغاية.

فالجيوش الفرنسية ما زالت متمركزة فيها منذ الاستقلال ومن دون انقطاع تقريبا. ولم يجلب هذا الوجود لأفريقيا الوسطى إلا الفقر والديكتاتورية حتى انتهى الامر بتفكك الدولة الذي أنتج الوضع الحالي المأسوي.

وتاريخ أفريقيا الوسطى هو عبارة عن تعاقب طغاة تلقوا دعم فرنسا قبل أن تتخلي عنهم عندما لم يعودوا يناسبوها. فلما حصلت مستعمرات أفريقيا السوداء على استقلالها كان الهدف الرئيسي للحكومات الفرنسية آنذاك تكوين إطار يسمح بمتابعة نهب القارة.

فقسمت الاراضي الشاسعة إلى دول غير قابلة للتطور الاقتصادي مثل مالي أو أفريقيا الوسطى المعزولتين دون أي منفذ على المحيط. لم يكن للأمر أية أهمية في حسابات القادة الفرنسيين ألذين كانوا يهدفون من وراء ذلك التقسيم مواصلة شفط ثروات هذه الدول إلى الوطن الأم السابق، ولا الإتاحة لحياة مناسبة لسكان هذه الدول. وتم اختيار حكام هذه الدول الجديدة وفقا لخضوعهم لمصالح فرنسا، الأمر الذين أبعد عن الحكم من كانت أولويته توفير حياة كريمة لشعبه.

هكذا تم تكوين طاقم سياسي مؤلف من وحوش ليس لديهم أية ركيزة اجتماعية بين الشعب، وبوكاسا، الذي توج كقيصر افريقيا الوسطى، ليس إلا واحد من بين هؤلاء.

وقد تبدد وهم دولة أفريقيا الوسطى منذ زمن طويل، وذلك ليس بسبب هجمات العصبات المتمردة بل نتيجة لنهب موارد البلد النادرة على يد طغاته بالاتفاق مع الإمبريالية الفرنسية وممثليها. فتعاقب الدكتاتورين يرتكز حصريا على مشيئة الجيش الفرنسي الذي يقوم بتعين الرؤساء وتنحيتهم عن السلطة منذ خمسين سنة . ذلك في الوقت الذي كان البلد يغرق أكثر فأكثر في الفقر وانعدام الأمن، محروما من المدارس والمستشفيات والبنى التحتية لا سيما في منطقة الشمال التي تركت منذ مدة طويلة في يد العصبات المسلحة.

فالتدخل العسكري الذي يجري حاليا بحجة إنسانية لا يطمح سوى إلى تكريس هذا الوضع. وإن كان الجيش الفرنسي لا يملك بعد رئيسا بديلا في عتاده، فتدخله يعطي هولاند المهلة لابتكاره. ففي 23 مارس 2013 ، قام تكتل "السيليكا"، المكون من عصابات مسلحة آتية من الشمال، بالدخول إلى العاصمة بانغي وقام بأعمال سلب واسعة. كما أعلن قائدهم ميشيل جوتوديا نفسه رئيسا للبلاد. لكن هولاند لم يحرك ساكنا رغم نداءات الإنقاذ التي أطلقها الرئيس السابق بوزيزيه، لأنه قد قرر التخلي عنه، كما لم يتحرك الجيش الفرنسي بل احتفظ لنفسه بامكانية القيام بذلك عبر احكام سيطرته على مطار بانغي.

أما "السيليكا"، فما أن سيطرت على الحكم حتى انقسمت إلى عصابات متعددة بعدد قوادها. فلم يكن أمر حلها إلا مجرد إجراء شكلي. وقامت هذه العصبات بأعمال تدمير وحرق في مدينة بانغي كما كانت قد فعلت في باقي أنحاء البلد. وردا على هذه الممارسات تم تشكيل ميليشيات ال "أنتي ـ بالاكا" (أي المعادية للمناجل) التي تلقت الدعم من الرئيس المخلوع بوزيزيه، الذي كان قد فار إلى خارج البلاد. فانتهى الامر بأن أخذت الاشتباكات بين "السيليكا" السابقة وال "أنتي ـ بالاكا " منحى طائفيا بما أن معظم عناصر "السيليكا" هم من مسلمي الشمال بينما أغلبية سكان أفريقيا الوسطى مسيحيون.

التدخل الحالي يدور إذا في إطار هذه الفوضى المغذاة بوجود الإمبريالية الفرنسية. وقد حدد هولاند الهدف السياسي لهذه العملية بانعقاد انتخابات في نهاية ال2014. وهو سوف يبذل جهده حتى ذلك الحين في سبيل إبراز قادة مؤهلين للاصطفاف مع الحكام الذين يتلقون تأييد باريس لاستعدادهم للدفاع عن مصالح الشركات الفرنسية هناك. وبعيدا من أن تكون عامل استقرار بالنسبة للشعب، تشكل الهيمنة الإمبريالية الفرنسية المكرسة بقوة السلاح السبب الرئيسي للفقر وللحروب التي تشعل المنطقة. وإنها هي من يقوم بإبقاء دول أفريقيا الوسطى ومالي وتشاد من بين أفقر بلدان العالم.

لذلك يجب رفع الشعار التالي: فلتخرج الجيوش الفرنسية والإمبريالية الفرنسية من أفريقيا !