فخ "مكافحة الإسلاموفوبيا" - 2017

ترجمة

فخ "مكافحة الإسلاموفوبيا"

مجلة النضال الطبقي رقم 181 - شباط / فبراير 2017

إن سياسة بناء جبهات "لمكافحة الإسلاموفوبيا" بدأت تدخل بشكل متزايد في ممارسات أقصى اليسار في فرنسا، ذلك إلى درجة فقدان الركيزة الطبقية من ناحية واستخدام الديماغوجية بما يخص الإسلام السياسي من ناحية أخرى.

لقد نمى النقاش حول هذه المسألة مع مختلف قضايا الفتيات المحجبات في المدارس، في عام 1989 وخاصة بعد قانون عام 2004 المحظر لارتداء الحجاب في المدارس، ومن بعدها مع قانون حظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة الذي اعتمد في عام 2010.

وأخذت المسألة حيزا كبيرا منذ هجمات عامي 2015 و2016. فعلى سبيل المثال، لقد بينت مسألة رداء البوركيني في الصيف الماضي عن استعداد الطبقة السياسية الحاكمة من اليمين واليسار إلى استخدام كل الوسائل بهدف تحويل الانظار عن القضايا الاجتماعية الراهنة، وذلك بديماغوجية انتخابية.

إن هذا الاستغلال المشين لقضية الحجاب والنقاب والبوركيني من قبل هؤلاء السياسيين غير الآبهين بمسالة اضطهاد المرأة، والعلمانيين فقط عندما عندما تتعلق المسائل بالإسلام يشكل بالحقيقة حملة عنصرية.

ومع ذلك، وبكوننا مناضلين شيوعيين، فإننا نعادي جميع الأديان وكذلك جميع أنواع الاضطهاد، ولا يجب أن تفقدنا حملة "مكافحة الاسلاموفوبيا" بوصلتنا الثورية.

كوكبة معادي الإسلاموفوبيا

منذ عدة سنوات، قامت مجموعات مختلفة بهدف "مكافحة الإسلاموفوبيا". فبعضها، مثل الـUOIF (اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا) والـPSM (المشاركة والروحانية الإسلامية)، هي جمعيات تبشير دينية بشكل علني. وبعضها الآخر ينفي صفة المنظمة الدينية ويختبئ وراء دعاوى المساواة ومكافحة كراهية الإسلام والعنصرية. هذا هو حال الـ CCIF (تجمع محاربة الإسلاموفوبيا في فرنسا)، ومنظمة "جميع الأمهات على قدم المساواة"، وتجمع "المدرسة حق للجميع" و"النسويات من أجل المساواة" وآخرها ALCIR (جمعية مكافحة كراهية الإسلام والعنصرية). ويمكن تصنيف حزب مواطني الجمهورية الاصليين (PIR) ضمن هذه الكوكبة.

ومنذ الهجوم ضد جريدة تشارلي في كانون الثاني / يناير عام 2015، تضاعفت المبادرات من قبل هذه المجموعات : تجمع 18 يناير 2015 في باريس لمكافحة الإسلاموفوبيا، مهرجان خطابي ضد كراهية الإسلام والمناخ البوليسي في 6 آذار / مارس 2015 في ضاحية باريس سان ديني، مسيرة الكرامة ومواجهة العنصرية التي نظمها الـ PIR في 31 تشرين الاول / أكتوبر 2015، مهرجان خطابي في سان ديني ضد حالة الطوارئ في 11 كانون الاول / ديسمبر 2015، وأيضا مهرجان ALCIR الخطابي في 21 سبتمبر الماضي تحت عنوان "لأجل ربيع الحرية والمساواة والإخوة" في باريس.

إن هذه المبادرات ليست بالضرورة محطا للانتقاد. فتجمع 18 كانون الثاني / يناير 2015 كان ردا على مظاهرة لليمين المتطرف في اليوم نفسه المطالبة بـ"طرد كل الإسلاميين". كما أن تنظيم لقاءات ضد حالة الطوارئ ومسيرات ضد العنصرية قد يبدو صوابا. لكن المسألة هي بمعرفة من ينظم هذه المبادرات وما الأفكار التي يتبم التعبير عنها خلالها، وما يقوم ناشطوا أقصى اليسار فيها وماذا يكون خطابهم فيها.

في الحقيقة، لقد كانت هذه اللقاءات منصة للمنظمات الإسلامية والمنظمات المجتمعية - الطائفية.

ففي مظاهرة 18 يناير 2015، كان الشباب يلوحون بالاعلام الجزائرية والتركية والمغربية ويحملون نصوصا من القرآن الكريم ولافتات كبيرة مكتوب عليها: "لا تلمس نبيي".

وفي تجتمع 6 آذار / مارس 2015 كانت الـ UOIF من بين المنظمين. كما خصص تجمع 11 كانون الاول / ديسمبر أيضا مكانة كبيرة للمتشددين الدينيين. وإن قام بعص العلمانيين (من صحفيين من جريدة اللوموند ديبلوماتيك أو ممثلة اتحاد القضاة) بإلقاء كلمات، فكان ذلك بجانب طارق رمضان وأسمهان شودر وهي المتحدثة باسم PSM، ومروان محمد المتحدث باسم الـ CCIF.

ونجد نفس هؤلاء بين الموقعين على دعوة ALCIR لمهرجان الخطابي في 21 أيلول / سبتمبر 2016. وكان اسم المتحدثين باسم هذه الجمعيات والجماعات الدينية الإسلامية موجودة على الملصق الداعي للمهرجان، والذي كان مزينا بصورة لامرأة محجبة... بالعلم الفرنسي الأزرق والأبيض والأحمر.

وكان الحزب الجديد المناهض للرأسمالية (NPA) من بين الموقعين على هذا النداء وهو قد دعا على موقعه على الانترنت إلى هذا الاجتماع واضعا هذا الملصق الذي تنبعث منه رائحة الوطنية الجمهورية النتنة.

وتمت مختلف هذه المبادرات بمشاركة أو دعم جماعات أو أحزاب يسارية (أتاك Attac، وسوية والخضر الاروبييون) ومن أقصى اليسار (الفوضويون ومناهضو الفاشية والـ NPA). وفي 18 كانون الاول / ديسمبر 2016 أيضا، تم عقد مؤتمر دولي ضد كراهية الإسلام وكراهية الأجانب، في سانت ديني، دعا إليه الـ PIR والـ NPA سوية، وكانت الدعوة موقعة من قبل أوليفييه بيزانسنو من الـ NPA ومن طارق رمضان.

منظمات ظلامية ورجعية

صحيح أن الـ NPA يعترف بوجود خلافات سياسية مع بعض هذه المنظمات. لكن عندما نعرف من هم المتحدثون باسم مكافحة الاسلاموفوبيا، والذين يحلو على قسم من الـNPA الظهور بجانبهم، يحق القول بأن هذا الاعتراف ليس كاف.

فالـ L'UOIF قد شاركت، بشكل منطقي، في المسيرات المعادية لحرية زواج المثليين. كما رحبت في مؤتمراتها بكريستين بوتان (من اليمين المحافظ)، وديودونيه وآلان سورال (المتقربان من اليمين المتطرف)، وكذلك فريجيت بارجو ولوديفين لاروشير المشهورتين في الحركة المحافظة واليمينية "مسيرة للجميع". يا رجعيوا كل الأديان، اتحدوا!

أما الـ CCIF فيمثله مروان محمد. فهذا المتداول السابق في الاسواق المالية يعطي الآن محاضرات بمشاركة أبو حديفة، إمام مدينة بريست، الذي يشرح في خطبه أن مستمعوا الموسيقى "سيتم تحويلهم إلى قردة وخنازير". ويوقع مروان محمد بانتظام بيانات مشتركة مع إدريس سيهامدي، المسؤول عن جمعية باراك سيتي، والذي، في كانون الثاني / يناير عام 2016، أوضح على جهاز التلفزيون بأنه "مسلم عادي"، وبالتالي فإنه "لا يسلم باليد على النساء". ومؤخرا، أعرب مروان محمد، خلال نقاش، أن مسألة تعدد الزوجات لا تخصه، فهي، "مثل المثلية، خيار حياة شخصي".

لننهي هذه الجولة الوجيزة مع جمعية PSM (المشاركة والروحانية الإسلامية)، التي نجد من بين ممثليها اسمهان شودر، وهي تناضل لترويج رداء الحجاب ولمكافحة الإجهاض والخوف من المثليين، ومع ذلك تعرف عن نفسها بأنها نسوية. ويكتب حسن أجلجال، ناشط مغربي في الـ NPA صاحب نظرة أكثر عقلانية من كثير من رفاقه، في مقال بعنوان كفى من تواجد PSM في نضالنا "إن PSM هي جمعية تمثل في فرنسا حركة العدل والإحسان المغربية التي هي حركة إسلام سياسي تأسست في عام 1973 من قبل الصوفي عبد السلام ياسين". وهذه المجموعة مسؤولة في المغرب عن "قتل اثنين من طلاب أقصى اليسار" في عام 1991 وعام 1993.

عودة العرقية

وكان حزب مواطني الجمهورية الاصليين (PIR) متواجدا أيضا في هذه التجمعات، إن لم يتولى تنظيمها.

والـ PIR لا يهدف فقط لمكافحة الإسلاموفوبيا، ولكن بشكل عام للدفاع السياسي عن كل من يسميهم السكان الأصليين، أي ضحايا الاستعمار. حسنا، ليس الكل فعلا : فالـ PIR، بحسب ما يمكن أن نقرأ على الصفحة التعريف على موقعه الالكتروني، "هو مساحة تنظيم مستقل لجميع الذين يرغبون في الانخراط في الكفاح ضد التمييز العرقي الذي يحصر السود والعرب والمسلمين في مكانة تساوي مكانة السكان الأصليين في المستعمرات السابقة". يبدو أن الآسيويين، مع أنهم أيضا من ضحايا ويلات الاستعمار والإمبريالية، ليسوا ضمن دائرة اهتمام هذا الحزب.

والـ PIR الذي كان منظم "مسيرة من أجل الكرامة وضد العنصرية" في تشرين الاول / أكتوبر 2015، لا يدعو فقط للدفاع عن الدين الإسلامي، ولكن أبعد من ذلك، فهو وراء معاودة استخدام مصطلح عزيز على اليمين المتطرف، وهو مصطلح "العرق". فهذه الكلمة، التي حذفتها أجيال من مناضلي الحركة العمالية ومن العلماء من مفرداتهم، وذلك للسبب البسيط بأن لا وجود للأعراق في الجنس البشري، يعود في الآونة الأخيرة، بما في ذلك في أقصى اليسار، بشكله الاصلي أو من خلال تعبير جديد وهو كلمة "معرق" (racisé). ويتم استخدام هذه الكلمة دون أي حذر في العشرات من المطبوعات والمنشورات والصحف والخطب، وصولا لدى الـ NPA.

إن هذه الأفكار قد انتشرت بشكل واسع، على الأقل في جزء من الشباب الناشطين، لدرجة أن منظمات من هذه الحركة تمكنت من عقد مؤتمر في مدينة رامس من 25 إلى 28 آب / أغسطس 2016 تحت عنوان "المخيم الصيفي لفك الاستعمار" حيث كان يمنع فيه "غير المعرقين" (وهذا يعني، الناس البيض) من المشاركة فيه، بكل بساطة. وأثناء الحراك ضد قانون العمل الجديد، في الربيع الماضي، تم عقد جمعيات عمومية في الجامعات، خاصة في سان دوني وفي تولبياك في باريس، مخصصة للـ"المعرقين".

والـPIR يريد أن يكون الناطق الرسمي لهذا المسار. فهو يدرس المجتمع كله من خلال منظور لون الجلد، وليس أبدا على أساس الطبقة الاجتماعية أو العلاقات الاقتصادية. وهو يؤكد على هذه الرؤية العرقية تماما، استنادا إلى فكرة أن البيض كلهم مذنبون باضطهاد الشعوب المستعمرة أمس والمهاجرين اليوم. وفي كتابه الأخير، "البيض واليهود ونحن"، كتبت المتحدثة باسم الحزب، حورية بوتلجة : "فوقي هناك المستغلون البيض. والشعب الابيض، مالك فرنسا، يتكون من البروليتاريين والموظفين في القطاع العام والطبقات الوسطى. إنهم من يقوم باضطهادي. إنهم المساهمون الصغار في مؤسسة نهب العالم الكبيرة". ثم تقول : "الفرنسي، في مكتبه، كل شيء يسير في خدمته. أما العربي، فهو الكناس".

إن هذا الكتاب المشين يروج لأكثر الأفكار رجعية، بدءا من معاداة السامية البغيضة ("أنتم يا يهود [...] يمكنني التعرف عليكم يسهولة، فإن شهامتكم ليست إلا في سبيل الخيانة.")، ومعاداة المثلية الجنسية بشكل صريح، مع تمجيد "للرجولة الإسلامية الهائلة والسافرة"، واتخاذ موقف ضد الحركة النسوية التي تندد بكونها أفكار منبثقة عن البيض : "إن جسدي ليس لي. ولا يمكن لأي سلطة أخلاقية أن تحملني شعار انتجته النسويات البيضاوات. [...] إني أنتمي إلى عائلتي وعشيرتي وإلى حيي السكني وعرقي وإلى الجزائر وإلى الإسلام."

ينبغي لهذه العبارات أن تكفي، عندما نكون شيوعيين ثوريين، للامتناع عن مشاركة المنصة مع من يقف وراء هذه العبارات، فهم بالنسبة لنا ليسوا أقل من أعداء سياسيين.

"النسوية البيضاء"

ويقوم جزء من من اليسار المتطرف إذن، في أعقاب الحركة الاسلامية والـ PIR، بالتخلص من الحركة النسوية بسهولة من خلال اعتماد مفهوم "النسوية البيضاء" الجديد نسبيا. فالنساء اللواتي يشاركن في الاجتماعات التي ذكرناها يقلن أنهن نسويات، ولكن بنسوية متوافقة مع الإسلام، ومضمونها هو التالي: "أنا امرأة وأفعل ما أريد، وإذا ما أردت الاختباء وراء الحجاب فهذا شأني الخاص."

إن هذا شاكلة جديدة لمسألة النسبية الثقافية التي تنص، منذ زمن مديد، على أنه كوننا أوروبيين وامبرياليين، فإنه لا يحق لنا الحكم على الممارسات "الثقافية" في بلدان أخرى، وبخاصة في البلدان التي خضعت سابقا للاستعمار.

لقد سبق لنا التحدث عن الأبوية التي تكمن وراء هذه النظرية المفترضة، عندما تأتي من قبل مناضلين من اليسار أو من أقصى اليسار : فلبس الحجاب، على سبيل المثال، قد لا يطاق بالنسبة لهؤلاء، أما بما يخص المرأة المسلمة، فيصبح أمرا حسنا. لماذا هذه المفارقة؟ هل لأنهم يشعرون أنهن أقل تقدما منهم؟

كلا، فختان النساء وتشجيعهن أو إجبارهن على العيش طوال حياتهن متخفيات من نظر الرجال، في نوع من التمييز الجنسي المستمر، هذا ليس "ممارسة ثقافية" كما الرقص الفلكلوري. بل إنه هجوم وحشي ضد نصف البشرية.

وبوتلجة، التي تقول أنها تفضل الاتنتماء "لعرقها، الإسلام" على أن تقول أن جسدها ملكها، تذهب إلى أبعد من ذلك بالقول : "إن على الحركة النسوية المعاكسة للاستعمار أن ترفض بشكل جذري الخطابات والممارسات التي تقوم بوصم رجالنا بالسوء." وهكذا فإنها، وبالتالي، تعفي بشكل مسبق على من يقوم برجم النساء وختانهن، وذلك بإسم النسوية المعادية للاستعمار.

يمكننا الاشارة أيضا إلى كتاب صدر حديثا عن نرجس بيبمون تحت عنوان "حديثي مع حجابي". فنقرأ على سبيل المثال : "يا حجابي العزيز، قل لهم أنك دليل عن خضوعي للله وحده ولا أحد غيره! قل لهم أنك في نظري أداة للتحرر من مجتمع يريد أن يملي علي كيف أكون امرأة محررة."

فالناشطات مثل نرجس بيبمون وحورية بوتلجة قد اختارت بالتالي أن تكون عبدة، بملئ إرادتها، للله أو للرجال. فليكن. ولكننا نحن، الشيوعيون والثوريون، يمكننا اختيار معسكرنا : ففي مسألة الحجاب ومن ثم البوركيني، قامت العشرات من النسويات الجزائريات والتركيات والمغربيات بالتعبير عن سخطهن أمام مسايرة أقصى اليسار الفرنسي لرموز الاضطهاد هذه، في حين أنهن يخاطرن بحياتهن كل يوم في سبيل رفض هذه الرموز. فلهؤلاء النسويات يذهب احترامنا وتضامننا.

مسايرة أقصى اليسار

يقوم جزء من "يسار اليسار" بتنظيم مع هذه الاوساط الرجعية جميع أنواع المبادرات، ويفتح لهم المحال للتعبير على صفحاتهم ويتناقش معهم حول مواقفهم.

وإن هذا ليس عن طريق الصدفة. فمنذ فترة طويلة والرابطة الشيوعية الثورية (LCR)، ومن بعدها وبشكل أكبر الـ NPA ، يرفض انتقاد الحجاب بشكل واضح، فيظهرون عن قدر لا بأس به من الديماغوجية تجاه الإسلام. فلنذكر حالة مرشحة الـ NPA المحجبة في انتخابات منطقة الفوكلوز في عام 2011. فبرفضه التأكيد بشكل لا لبس فيه على الطبيعة القمعية للحجاب وللملابس المشتقة منه، قام أعضاء الحزب على سبيل المثال، خلال المدرسة الصيفية في آب / أغسطس الماضي، بتنظيم مظاهرة للدفاع عن حق المرأة في ارتداء البوركيني وهم يهتفون : "مغطيات أكثر من اللزوم أو أقل من اللزوم، وحدها النساء يمكنها تحديد ذلك." من الواضح أننا لسنا بعيدين كثيرا عن الحركة النسوية المعاكسة للاستعمار.

وصرح الـ NPA ، عقب اجتماع لقيادته الوطنية يومي 17 و18 أيلول / سبتمبر، أن "NPA ونشطائه والناطقين باسمه ومرشحه سوف يكونون في قلب مكافحة العنصرية والإسلاموفوبيا". ويدعو بيان صحفي في 16 تشرين الاول / أكتوبر الى "جعل مكافحة الإسلاموفوبيا أولوية حقيقية".

وهذا ليس من قبيل الصدفة من قبل تيار اعتاد تبني أفكار تيارات الأخرى على أمل جذب هذا أو ذلك من الشباب أو من البرجوازية الصغيرة الفكرية أو من العمال. وبعبارة أخرى: فلنحاول جذب الشباب سكان الضواحي لنا ... وذلك عبر الاصطفاف وراء المنظمات التي يهتم بها هؤلاء الشباب مهما كان مدى رجعية هذه المظمات.

إن هذا التصرف الطفيلي هو تقليد قديم لجزء من حركة التروتسكية، وهو التصرف نفسه الذي أدى بها، في الماضي، إلى دعم المنظمات السياسية الوطنية في الدول المستعمرة، دون أي تحفظ، كجبهة التحرير الوطني الجزائرية، وبعض التيارات الستالينية، أو بعض الجمعيات الاصلاحية التي أوجدت لها ميزات عظيمة، كجمعية أتاك Attac، وفي بعض الاحوال مماشاة افكار التيارات الداعية إلى التناقص الانتاجي.

الشيوعية والدين

وتحاول مختلف جماعات أقصى اليسار التروتسكية إيجاد مبررات نظرية لتساهلهم حياز الإسلام السياسي.

أول هذه التبريرات هو كون الاسلام في فرنسا، بحسب قولهم، دين المضطهدين، وعلى هذا النحو، لا يمكن مقارنته مع الأديان الأخرى المتواجدة، بحسب قولهم أيضا، مع جهة الظالمين.

أن يكون الدين الإسلامي في فرنسا يمارس في الغالب من قبل المضطهدين، أي البروليتاريا، هذا أمر يقين. ولكن هل لهذا الاستنتاج أن يؤدي بنا لأن نكون مسايرين مع هذا الدين؟ بالعكس تماما ! بل أكثر من ذلك، فإنه على وجه التحديد كون الذين يطالهم هذا الدين هم من أفراد طبقتنا يتوجب علينا مكافحته ! فالطبقة العاملة، كونها على وجه التحديد الطبقة المضطهدة في المجتمع، فإنها أقل قدرة على نيل المعرفة والثقافة مقارنة مع أقسام أخرى من المجتمع، مما يجعلها أكثر قبولية للتحيزات على اختلافها. وإذا ما أخذت هذه التحيزات الشكل الديني بين العمال ذات أصل أفريقي وشمال إفريقي، فإنها تأخذ أشكالا أخرى في الاقسام الأخرى من البروليتاريا. بدءا من العنصرية الموجودة بكثرة، للأسف، في الطبقة العاملة الفرنسية. مع ذلك، فلا يتخيل لأي مناضل عدم محاربة العنصرية بحجة أنها تحيز متواجد لدى المضطهدين. لماذا يجب أن يكون الأمر مختلفا بما يخص الدين؟

تبرير آخر : ليس لدى الماركسية تقليد حقيقي في مناهضة الدين. فهذا على سبيل المثال ما يزعمه الأستاذ في ضاحية سان دونييه، بيير تيفانيان، والذي يدافع عن حرية ارتداء الحجاب في المدارس. فكتابه "كراهية الدين"، يشرح أن ماركس، بعد أن قام بتحريف أقواله، لم يكن في نهاية المطاف معاديا للدين كثيرا. فنقرأ : "إن الإلحاد اليوم ومحاربة الأديان، واللادينية باختصار، هو ما يمكن اعتباره أفيون شعب اليسار."

القول بأن الماركسية لم تضع هدفها الأولوي في الدعاية المعادية للدين، هو أمر لا شك فيه. فالشيوعيون ليسوا عولميين (laïcards)، وهي الصفة التي أعطت للتيار البرجوازي الراديكالي في فترة ما بين القرنين التاسع عشر والعشرين، والذي كان يعتبر المعركة ضد الدين أكثر أهمية من الصراع الطبقي، أو بالأحرى الذي كان يفضل أكثر بكثير أن يقوم العمال بالكفاح من أجل العلمانية بدلا من تحدي النظام الاجتماعي البرجوازي.

وماركس كان يعرف أن التحيزات الدينية هي من عواقب الضطهاد الاجتماعي وأنها لن تختفي قبل حصول تحول عميق في المجتمع، وبعبارة أخرى، قبل أن يقوم المجتمع الشيوعي، بانهائه للاستغلال وللاضطهاد، بإزالة أسباب الفكر الديني في الوقت نفسه. والخط الفاصل الذي يضعه الشيوعيون في مجتمع اليوم ليس بين العلمانيين والمتدينين ولكن بين البروليتاريين والبرجوازيين.

مع ذلك، كان الماركسيون يعتبرون دوما الدعاية المعادية للدين ضرورية. فكون المرء شيوعيا يحتم أنه مادي، وأن يكون ماديا يعني الالحاد. يمكن للمرء أن يكون ملحدا ويقاتل في الإضراب جنبا إلى جنب مع العمال المؤمنين. ولكن ذلك لا يمنع أن واجب أي شيوعي ثوري هو محاولة سحب رفاقه في العمل وفي النضال من تأثير الدين، وليس فقط النشطاء الذي يريد كسبهم إلى الافكار الشيوعية. وتروتسكي قد أوضح ذلك في عام 1923 : "إننا نتخذ موقفا متضاربا تماما مع كل أولئك الذين يقولون ولو كلمة واحدة عن إمكانية الجمع بين التصوف والعاطفة الدينية مع الشيوعية. فالدين لا يمكن التوفيق بينه وبين وجهة النظر الماركسية. فالذي يؤمن بوجود عالم آخر لا يمكنه أن يركز كل شغفه على تغيير عالمنا هذا." وفي نهاية أعوام 1930 كتب مرة أخرى في كتابه "دفاعا عن الماركسية" : "نحن الثوار، لن تنهي أبدا مشكلتنا مع الدين، ذلك لأن مهامنا تكمن ليس فقط بتحرير أنفسنا من تأثير الدين ولكن بتحرير الجماهير منها أيضا. والذي ينسى النضال ضد الدين لا يستحق بأن يسمى ثوريا".

فخ "الإسلاموفوبيا"

من الواضح بالطبع أنه من الممكن محاربة التمييز العنصري ومحاربة الدين على حد سواء.

لهذا السبب بدا مصطلح الإسلاموفوبيا غامضا، وهو لا يزال كذلك في بعض النواحي، على الرغم من أن استعماله بات سائدا. إننا نرفض ونحارب التمييز الذي يمكن أن يمارس ضد المسلمين، ذلك لأننا مع حرية المعتقد. ولكننا ملحدين، ونعارض جميع الأديان. والمعادلة التي فرضها الإسلاميون وأصدقائهم، والتي تنص على أن محاربة الدين الإسلامي هو عمل عنصري، فهي احتيال خطير.

يقوم جزء من الطبقة السياسية الفرنسية الحالية بخطابات وبممارسات تمييز ضد المسلمين، الفقراء منهم على أية حال إن في الاحياء الشعبية أو في المصانع، إذ أنها بالتأكيد ترحب دائما بالمليارداريين من ثيوقراطيات الخليج. ومن المفهوم أن الكثير من الشباب يشعرون بأنهم ضحايا اضطهاد موجه ضدهم تحديدا، وهو أمر فعلي. فكيف يمكن التقبل بأن سياسي اليمين الذين ينادون بالعلمانية ويريدون منع وجود قوائم طعام "حلال" في المطاعم المدرسية هم نفسهم الذين يدافعون عن إمكانية تركيب مغارة الميلاد في البلديات التي يترأسونها؟

فعلمانية سياسيي البرجوازية اليوم هي بأحجام مختلفة، فأنها موجهة ضد الدين الإسلامي كما كانت في الماضي ضد اليهود. والأمر يزيد وقاحة عندما نعلم أن هؤلاء لم يترددوا في الماضي باستخدام الدين الإسلامي في محاولة لتأطير غضب واستياء الشباب في الضواحي، كما فعل ساركوزي عندما أنشأ المجلس الوطني للمعتقد الاسلامي.

الدفاع عن الشيوعية

إننا نقدر أنه من دورنا، كشيوعيين، أن نشجب تأثير الدين الإسلامي على الشباب من أصول مهاجرة. ومن دورنا أن نناضل وأن نكفاح في سبيل المحاولة لسحبهم من "الضباب الدين"، كما كتب ماركس، لفتح أعينهم وجعلهم يفهمون أن تحررهم لن يأتي عبر الخضوع لمبادئ دينية من عصر قديم، ولكن في الاتحاد الطبقي مع بقية البلوريتاريا.

إن مهمتنا كثوريين ليست بطمأنة العمال بالنسبة لتحيزاتهم الدينية، بل في محاربتها. وفي شرح أن الإسلام السياسي، وحتى الإسلام الراديكالي، لم يقاتل يوما الاضطهاد الاجتماعي. وبأنه تيار معادي للشيوعية بشكل عميق. وبأنه حيث يتواجد في السلطة فهو إلى جانب البرجوازية، يقوم بقمع الإضرابات وبقتل المناضلين العماليين. والإسلام، مثل كل الأديان، يدعو إلى القبول بالنظام الاجتماعي القائم والاستسلام له. بالاختصار، إن الأحزاب الإسلامية هي أحزاب برجوازية. وأيضا بترديد كلمات ماركس، بإضافة كلمة الإسلام إلى كلمتي المسيحية واليهودية : "إن المبادئ الاجتماعية المسيحية توعظ بالجبن وبتقليل الذات وبالخنوع وبالتواضع، باختصار : كل صفات التحقير. والبروليتاريا الذي التي يرفض أن يحقر بحاجة الى شجاعته، وإلى الشعور بالكرامة وبالعزة وإلى فكره المتحرر أكثر بكثير من الحاجة للخبز."

إنه دورنا أيضا بشرح أنه، إذا كان المسلمون هم ضحايا التمييز، فهذا هو أيضا نتيجة لسياسة الجماعات الجهادية نفسها، فالطبيعة العشوائية للهجمات التي تشنها تهدف إلى إثارة الكراهية ضد المسلمين لدى الفرنسيين غير المنبثقين من الهجرة. والعمال المسلمون في فرنسا هم الضحايا الثانويين لهذه الهجمات، بعد القتلى والجرحى. وهي سياسة متعمدة من قبل قادة الإسلام السياسي الذين يفكرون بنفس طريقة قادة الإمبريالية، وهم، بنفس قدر قادة الإمبريالية، أعداء للمضطهدين.

وللنضال في هذا الاتجاه والدفاع عن هذه الأفكار، يوجد العديد من السوابق التي يمكن الاستلهام منها، بدءا من البلشفية. فالهجمات المعادية للمسلمين الحالية ليست شيئا بالمقارنة مع ما كانت معاداة السامية في روسيا القيصرية، التي اتخذت شكل مذابح وعمليات قتل جماعي. المناضلون البلشفيون، في هذا السياق، لم يختاروا الديماغوجية بما يخص الفكر القومي اليهودي، وخصوصا بمواجهة الدين اليهودي، لكنهم كافحوا بلا كلل من أجل إنقاذ المضطهدين اليهود من هذا التأثير ودمجهم في الصراع العام للبروليتاريا. ودور النشطاء اليهود في الحزب البلشفي وفي الثورة الروسية يبين مدى نجاح هذه السياسة.

* * *

اليوم، وبعد مرور 170 سنة على صدور البيان الشيوعي، يبدو أنه من الضروري التذكير أن الشيوعية لا تتوافق مع الدين.

من المحزن جدا أن نرى من يسموا أنفسم ثوريين يتضامنون مع الأفكار العفنة التي نجدها في كتب ككتب حورية بوتلجة. هذه الأفكار هي بالتحديد منافية للافكار الشيوعية.

إن هذا المنحى هو من أعراض الرجعية التي تؤثر على المجتمع باكمله. والعلاج الوحيد بوحه هذا التفكك هو بالدفاع عن منظور الشيوعية دون كلل، وعن فكرة أنه لا يمكن محاربة الاضطهاد عبر الدفاع عن شكل آخر من أشكال الاضطهاد. وهو بالحفاظ على بوصلتنا الطبقية، والكفاح بلا كلل لاعادة الوعي الطبقي العمال بدلا من تذويبه أكثر مما هو عليه، وبالنضال من أجل بناء حزب شيوعي عمالي.

في هذه المعركة، من الضروري كسب عمال شباب منبثقين من الهجرة إلى الشيوعية، ليس عبر تشجيعهم في تحيزهم الديني ولكن عبر جعلهم ثوريين، أي ملحدين، قادرين على مواجهة، في محيطهم، الأفكار التي تروجها أعداء الحركة العمالية.

كانون الثاني / يناير 2017