النضال العمالي في حملة الانتخابات الرئاسية - 2016

ترجمة

من مجلة النضال الطبقي الشهرية - رقم 178 ، في أيلول / سبتمبر 2016

تنوي منظمة النضال العمالي ترشيح ناتالي أرتو Nathalie Artaud للانتخابات الرئاسية الجارية في نيسان/ابريل وأيار/مايو 2017.

منذ عام 1974، كانت منظمتنا متواجدة في جميع الانتخابات الرئاسية وكان ممثلة من قبل أرليت لاغييه Arlette Laguiller، ومنذ 2012 من قبل ناتالي أرتو

لقد شهد السياق السياسي تغييرات كثيرة منذ أول مشاركة لنا. كما تبدلت الشروط القانونية للمشاركة في الانتخابات، ولكن إلى الأسوأ.

فأصبح يتوجب الحصول على دعم من قبل 500 شخصية منتخبة في حين كان يكفي الحصول على 100 داعم فقط في عام 1974. كما تم تعقيد إجراءات أخرى بهدف زيادة صعوبة إمكانية ترشيح التيارات ذات الأقلية. ويضاف إلى ذلك ضغط أجهزة الأحزاب الكبيرة على الشخصيات المنتخبة لثنيها عن توقيع الدعم لمرشحي الأقليات.

وإنه بفضل الحس الديمقراطي لبعض الشخصيات المنتخبة وشجاعتها في مقاومة الضغوط، قد تمكنا من التغلب حتى الآن على هذه الحواجز.

وبتواجدنا بشكل دائم في هذه الانتخابات، نحترم تقليد راسخ في الحركة الثورية الشيوعية، وهو تقليد يفصل بيننا وبين التيارات الثورية الأخرى، من الفوضويين واليسار المتطرف الذين يرفضو المشاركة في الانتخابات.

ففي نفس الوقت الذي نحارب فيه، في صفوف الطبقة العاملة، "الاعتقاد بجدوى الديمقراطية البرجوازية وانظمتها البرلمانية " لخص لينين هذا التقليد في عبارة واضحة : "إن المشاركة في الانتخابات البرلمانية والنضال البرلماني هو إلزامي للحزب البروليتاري الثوري".

في المراحل الثورية، عندما يؤدي الحراك إلى نشوء منظمات ديمقراطية طبقية كمجالس العمال، تصبح المشاركة في الانتخابات البرجوازية أو مقاطعتها أمرا تكتيكيا (انظر موقف لينين حول انتخابات الدوما خلال المراحل المختلفة من ثورة 1905). ولكن بصرف النظر عن هذه الأوقات الاستثنائية، تشكل الحملات الانتخابية جزءا من الصراعات السياسية التي يتوجب على المنظمة الشيوعية الثورية خوضها. فإنها توفر لها الفرصة للدفاع، أمام جمهور أوسع من جمهورها المعتاد، عن برنامجها ومواقفها المطابقة للمصالح السياسية للطبقة العاملة. وهو ما يحملها على مواجهة مختلف الأحزاب البرجوازية بهذا الخصوص. كما إن الانتخابات تشكل وسيلة للتحقق من صدى هذه المواقف لدى الناخبين من بين العمال والطبقات الشعبية بشكل أوسع. وكان لينين يقول أن الانتخابات هي عبارة عن ميزان حرارة.

وهي مع ذلك ليست أداة للقياس وحسب. فإنها تعطي المستغلين الفرصة للتعبيرعن خياراتهم السياسية. ذلك بغض النظر عن القيمة النسبية لهذه الدلالة إذ أن هناك قسم من الطبقة العاملة، أي العمال الأجانب، محروم من حق التصويت.

ومشاركتنا في جميع الانتخابات كانت تحت هويتنا كشيوعيين ثوريين ودافعنا عن سياسة طبقية. بالطبع، لقد كيفنا محاورنا الانتخابية في كل انتخابات رئاسية مع السياق السياسي السائد حينها.

ففي عام 1974، ونظرا لحالة التخلف السياسي السائدة حينها في فرنسا، كانت مشاركتنا الأولى مع لاغييه، فكانت أول امرأة وأول مرشح في الانتخابات الرئاسية من الطبقة العاملة. فلم تحتاج رفيقتنا حتى إلى استخدام لغة النسويات البرجوازية. فتواجدها بحد ذاته أظهر الفرق بين التيار الشيوعي والرجال السياسيين الخادمين للبرجوازية الذين، بالإضافة إلى الدفاع عن النظام الاجتماعي القائم على الاستغلال، قد أظهروا عن كراهيتهم واحتقارهم للنساء.

الطابع الطبقي لتواجدنا

لقد رفضنا دائما خلط الطابع الطبقي لترشيحنا مع مجموعة من المطالب والأهداف المختلفة التي تطال فئات مختلفة من المظلومين، وحتى عندما كانت هذه الأهداف والمطالب المشروعة تماما.

فقد حصل نقاش حول هذا الشأن في الماضي، لا سيما مع التيارات التروتسكية الاخرى والذين كانوا يضعون هذه القضايا المختلفة بالمقدمة، من مسألة المساجين وظروف احتجازهم، وحالة الأقليات الجنسية المتعرضين للاضطهاد، وأحيانا التضامن مع الشعوب المقهورة. ففي حين اننا كنا متضامنين مع العديد من هذه المعارك، إلا أننا لم نكن نريد أن تظهر مسألة استغلال الطبقة العاملة كغيرها من هذه المسائل.

وذلك لسبب أساسي واحد: نحن لا نريد الظهور وكأننا نمثل أي من هذه الفئات المظلومة بالتحديد، ولكن كممثلين لوعي الطبقة العاملة. فمستقبل المجتمع وجميع أشكال القمع التي ينتجها تتوقف في نهاية المطاف على قدرة البروليتاريا على إعادة احياء هدفها التاريخي، والذي هو قلب النظام الرأسمالي.

إن من شأن الحزب العمالي الشيوعي الثوري طبعا تولي معظم هذه القضايا من خلال دمجها، حيثما كان ذلك ممكنا، في الصراع الأساسي للبروليتاريا في سبيل تحررها. فلن يكون في هذه الحال هناك أي غموض أو تبعية للتيارات التي، في الوقت الذي تحارب على الأرض هذه المظالم، تبقى مندمجة ضمن المجتمع الرأسمالي.

إلا أننا لسنا بعد على هذا المستوى. فبالنسبة لمنظمة ليست مترسخة بعد بشكل جدي في الطبقة العاملة، مع ما يتعقب عن ذلك من نقص في الثقة والنفوذ السياسي ضمن هذه الطبقة، من الأهمية الكبيرة لهذه المظمة أن تبقى مركزة في سياستها على الناحية الطبقية، إذا ما أرادت اكتساب مصداقية على هذا الصعيد.

وأكثر من ذلك، فلا يمكن لمنظمة كمنظمتنا أن تضحي بالدفاع عن "معسكر العمال" بهدف الاصطفاف وراء سياسيي البرجوازية، وحتى لو كانوا على يسار اليسار.

فإخلاصنا لأفكار الصراع الطبقي، والرغبة في "رفع صوت معسكر العمال" التي ميزت جميع حملاتنا للانتخابات الرئاسية، سمحت على مر السنين بتواجد تيار سياسي في البلاد يؤكد على مشاطرته لهذه الافكار. وينعكس ذلك بنسب مختلفة في نتائجنا الانتخابية. ففي بعض الظروف، بعض أولئك الذين صوتوا لمرشحتنا قاموا بذلك لأسباب أخرى غير المحور الأساسي لمداخلاتنا الانتخابية. ولكن، مع اختلاف الظروف، ما زال هذا التيار الأقلي يؤكد عن وجوده عبر التصويت لنا.

الانتخابات الرئاسية لعام 2017

إن الانتخابات الرئاسية المقبلة هي كسابقاتها، عبارة عن منافسة بين سياسيين طامحين لحكم البلاد في إطار المجتمع الرأسمالي، أي لمصلحة البرجوازية. وهي تشهد، كجميع الانتخابات السابقة في ظل الجمهورية الخامسة، عملية تأطير وتجريد الآراء المختلفة التي يتم التعبير عنها في الجولة الأولى بهدف توجيهها في إطار الجولة الثانية التي سيتم فيها اختيار الشخص الذي سوف يقمع الشعب نيابة عن البرجوازية.

لكن ما تغير على مر الزمن، وخاصة خلال السنوات التي مضت، هو تناقص مصداقية الحكومات اليسارية في أعين الناخبين من الاوساط الشعبية والموظفين الذين ساعدوا هؤلاء اليساريين على الوصول لسدة رئاسة الجمهورية أو للحكومة. فمن ميتران مرورا بجوسبان ووصولا إلى هولاند، كلهم قد دافعوا عن مصالح البرجوازية بوجه العمال. فحقيقة أنه ليس للرئيس الحالي (هولاند) أية فرصة بالاحتفاظ بمنصبه، بل أن التوقعات تعطيه المركز الرابع في الدور الاول، ليست سوى انعكاس شاحب للاشمئزاز وحتى الكراهية الذي تولده سلطة الحزب الاشتراكي في قلب الناخبين، بما فيهم ناخبيهم التقليديين.

أما الحزب الشيوعي الفرنسي، فمنذ عام 1965، ومرة أخرى في عام 1974، قدم دعمه للمرشح فرانسوا ميتران في الانتخابات الرئاسية كـ"مرشح اليسار الوحيد". فالحزب الشيوعي كان يتحتاج لرجل سياسي برجوازي مثل ميتران يقوم، مقابل دعم الحزب له، بكفالة هذا الاخير على المستوى السياسي كي يتم دمجه في النظام السياسي، كحزب معترف به من قبل الأغلبيات البرلمانية وفي الحكومات. فأعطى الحزب الشيوعي بفضل نشطائه ونفوذه بين العمال صورة لميتران بأنه رجل من شأنه أن يؤدي، عند انتخابه، سياسة ملائمة لمصالح الطبقات العاملة. فمكن هذا ميتران من الوصول إلى السلطة في عام 1981 مستفيدا من الأوهام التي ساعد الحزب الشيوعي الفرنسي نفسه على زرعها بين العمال. وفي سبيل ذلك، حارب الحزب الشيوعي الفرنسي بشراسة كل الذين كاوا ينددون بماضي ميتران السياسي مع اليمين حيث شغل مناصب في الحكومات البرجوازية وكان له دور ريادي في قمع المناضلين الجزائريين في مقاومتهم للاستعمار الفرنسي.

فولدت السياسة المناهضة للعمال التي أعتمدها ميتران والحزب الاشتراكي ابتداء من عام 1981 خيبة أمل واسعة أثرت على اليسار بأكمله. وهي قد أدت بشكل خاص إلى تقلص تدريجي لتأثير الحزب الشيوعي الفرنسي في الأوساط الشعبية وادت إلى إحباط معنويات جزء كبير من ناشطيه.

وكرر الحزب الشيوعي الفرنسي هذه السياسة من خلال دعم فرانسوا هولاند في الانتخابات الرئاسية عام 2012، مما ساهم في فوزه وفي تغذية الوهم بأنه يمكن لحكومة الحزب الاشتراكي أن تأتي بسياسة مواتية للعمال. وبعد أن تمت البرهنة بشكل جلي عن مدى عدائية هذه السياسة للعمال، قام الحزب الشيوعي الفرنسي في نهاية المطاف بالتمرس في شبه معارضة، ولكنه بات يعاني هو أيضا من تقلص شعبية هولاند. والأسوأ من ذلك، فإنه لم يمتنع حتى الآن عن الجري وراء سراب حكومة يمكنها، في ظل النظام الرأسمالي القائم، القيام بـ"سياسة يسارية فعلية".

وهكذا، يقدم الحزب الشيوعي الفرنسي الآن مشهدا مثير للسخرية حيث بات يبحث يائسا، بين المتسابقين على خلافة هولاند، على من يقبل باستخدامه كموطئ قدم للوصول إلى السلطة.

تحول عام نحو اليمين

لكن الهزيمة الانتخابية المعلنة لهولاند وتشويه صورة الحزب الاشتراكي، تترافق بتوجه الرأي العام نحو اليمين. فالناخبين من بين الاوساط الشعبية قد فقد بوصلته السياسية. ففي أحسن الأحوال، يتحول بعيدا عن السياسة والانتخابات، ويلجأ إلى الامتناع عن التصويت. وفي أسوئها، ينظر باتجاه أقصى اليمين، أي حزب الجبهة الوطنية الممثل بمارين لوبان Marine Le Pen ، بحجة "أننا لم نجربها من قبل" في رئاسة الجمهورية. وهي طريقة لرفض تناوب الطرفين، أي اليمين واليسار التقليديين، على السلطة والمستمر منذ نصف قرن كشكل للديمقراطية البرلمانية البرجوازية في فرنسا.

فبخلاف عدد من الدول الأوروبية حيث الأحزاب اليمينية المتطرفة المشابهة للجبهة الوطنية تشارك من وقت لآخر في السلطة الحكومية، وذلك ضمن تحالفات مع اليمين التقليدي، وحتى مع الاحزاب الاشتراكية، كما يحدث من وقت لآخر في النمسا، فقد تم في فرنسا، وحتى الآن، استبعاد الجبهة الوطنية عن التناوب على المستوى الحكومي. وهذا النبذ، من قبل اليمين التقليدي بشكل خاص، والذي تعود أسبابه لتاريخ فرنسا السياسي، أعطى للجبهة الوطنية ميزة انتخابية بنظر جزء متزايد من الناخبين الرافضين، على وجه التحديد، تناوب احزاب اليمين واليسار على السلطة.

في الواقع، في حين أن حزب الجبهة الوطنية يتظاهر بأنه مناهض للنظام القائم، إلا أنه في الحقيقة يمنح للبرجوازية بديلا سياسيا عن التناوب التقليدي. فيستبدل التناوب بين أحزاب اليسار واليمين تدريجيا، مع تعاقب الانتخابات، بتناوب بين هذه الأحزاب من جهة، وحزب الجبهة الوطنية من جهة أخرى.

إن الانتخابات لا يمكنها أن تستخدم كصمام أمان للبرجوازية إلا من خلال تقديم الوهم لغير الراضين عن سياسة الحكومة بأنه يمكنهم تغيرها من خلال التصويت لأولئك الذين هم في المعارضة.

وتوحد أحزاب اليمين واليسار في الانتخابات بوجه حزب الجهة الوطنية، وذلك في ما يسونه بالجبهة الجمهورية، لا يتم إلا عبر اصطفاف اليسار وراء اليمين، وذلك يحدث على خلفية تطور الرجعية ويعكس تحولا نحو متزايد إلى اليمين من الحياة السياسية البلد.

فقد شهدنا ما حصل في في الجولة الثانية من الانتخابات الإقليمية في عام 2015 حيث، في سبيل الحؤول دون فوز حزب الجبهة الوطنية، قام الحزب الاشتراكي كما الحزب الشيوعي بالدعوة للتصويت لمصلحة مرشحي اليمين في وجه اليمين المتطرف. وبالنظر إلى دعوتهم للتصويت لشيراك في الانتخابات الرئاسية لعام 2002 والذي كان بمواجهة لوبان الاب في الجولة الثانية، يمكننا تصور موقفهما إذا شهدت الجولة الثانية للانتخابات القادمة منافسة ما بين مارين لوبان وجوبيه، مرشح اليمين المحتمل.

أما المحور الذي سوف يتم تشغيل الحملات الانتخابية عليه فهو الأمن، كما عنونت صحيفة لو فيجارو مؤخرا "الإرهاب في قلب معركة بين اليسار واليمين". فحتى الفارق البسيط في الخطاب الذي كان يميز كل من اليسار واليمين وقت الانتخابات، والذي كان يهدف لارضاء قاعدتهما الانتخاية، فإنه يتخذ الآن مركزا ثانويا أمام "التهديد الإرهابي" الذي يقدمه هؤلاء على أنه المشكلة شبه الوحيدة لهذا الشعب الذي يبلغ عدده 65 مليون شخص.

وهم، بقيامهم بذلك، أصبحوا يتنافسون على نفس أرضية الجبهة الوطنية. فهذا الاخير يمكنه التفاخر ليس فقط بفرض الموضوع الانتخابي على الأحزاب الكبرى، ولكن أيضا بجرهم لاستعمال نفس الديماغوجية المقرفة من كراهية للأجانب وشوفينية والتي تؤدي إلى تعفن سائر الحياة الاجتماعية.

هذا هو السياق السياسي للانتخابات المقبلة.

رفع صوت معسكر العمال

كما في الماضي، وجودنا في الانتخابات سيكون بإسم المصالح السياسية للطبقة العاملة على المدى القريب والبعيد. وأول هذه المصالح السياسية على وجه التحديد هي بتأكيد الطبقة العاملة على أنها طبقة اجتماعية ذات مصالح سياسية مخالفة كليا لمصالح البرجوازية. وهذا ما يعني أن نعارض كل المرشحين الذين يصتفون ضمن المجتمع الرأسمالي، وذلك مهما كانت الصفة السياسية، من اليسار أو اليمين أو اليمين المتطرف، التي ينتحلونها بهدف جذب الناخبين. ولكن هذا يعني أيضا معارضة كل أولئك الذين يدعون بإعادة إحياء اليسار.

في مقدمة الطبعة الأمريكية لكتاب "حالة الطبقة العاملة في إنكلترا" في عام 1887، وصف إنجلز تطور وعي الطبقة العاملة والتحولات التي شارك بصنعها إلى جانب ماركس: "في الدول الأوروبية، لستلزم العمال سنوات عدة ليفهموا تماما بأنهم يشكلون فئة منفصلة، وفي الظروف الحالية، فئة دائمة من المجتمع الحديث.

واستلزم الوعي الطبقي سنوات عديدة أخرى لكي يدفع بالعمال إلى التنظيم في حزب سياسي منفصل ومستقل ومعاد لجميع الأحزاب القديمة التي شكلتها الفصائل المختلفة للطبقة الحاكمة".

هذا النص، الذي لخص التقدم المحرز في ذلك الوقت بفضل عقود من النضالات والصراعات السياسية والاستشعارات وتقدم للوعي الطبقي، يظهر كدليل على الطريق الموجب اتخاذه في أيامنا الحالية. وهذه الملاحظة هي نتيجة للعواقب الكارثية على الحركة العمالية لإفلاس وغدر الديمقراطية الاجتماعية ومن ثم التحلل الستاليني. فلم يتم بعد حل "أزمة القيادة الثورية" التي تحدث عنها تروتسكي في عام 1938.

ولكن على الرغم من أعمال الهدم التي قامت بها اللديمقراطية الاجتماعية والستالينية على وعي الطبقة العاملة، فإن التاريخ لا يعاود البدأ تماما من نقطة الصفر تماما.

فتطور الرأسمالية لم يلغي التناقض بين الطبقة الرأسمالية والطبقة العاملة. على العكس، فإنه قد فاقمها. وفي المجال الاقتصادي أصبح التناقض أكثر تجليا من أي وقت مضى بين الإمكانيات المتوفرة للمجتمع للسيطرة على اقتصاده وعدم قدرته على القيام بذلك. وفي جميع المجالات الأخرى للحياة الاجتماعية تظهر علامات التعفن والتراجع إلى البربرية.

لهذا السبب، إنه من الضروري بالنسبة لمستقبل المجتمع ألا تندثر الأفكار التي نشأت من تجربة الصراعات الطبقة العاملة بل على العكس، أن يستمر التأكيد عليها.

إن وجود تيار يحافظ على هذا التراث هو أمر ثمين من أجل المستقبل. ومهما كان حجمه صغيرا، وخاصة إذا ما استعملنا لقياسه الأداة الانتخابية المحدودة الدقة، فإنه لا يزال يمثل آمال الآلاف من النساء والرجال الذين يشاركوننا في أفكار التحرر الاجتماعي، ورفض المجتمع الرأسمالي اليوم، والذين يريدون التأكيد على أنهم ينتمون إلى "معسكر العمال". وهم يشاركون، ولو كان بشكل غير فاعل، في نقل التقليد الشيوعي الثوري وديمومته في الحياة الاجتماعية والسياسية، وذلك على عكس اتجاه تطوره الرجعي.

لا يمكن لأحد أن يتنبأ اليوم عبر أي مسار سوف يتم إعادة بناء حزب شيوعي ثوري فعلي، يقدر على كسب جزء كبير من الجماهير العاملة إلى هذه الأفكار. الشيء الوحيد المؤكد هو أن هذا الجزء من التاريخ هو بانتظار أن يتم كتابته، وهو لن يكون يكون فقط عبر الترشح في الانتخابات. فإنه سوف يتم من خلال نضالات تستعيد الطبقة العاملة من خلالها الثقة في نفسها وفي قدرتها على الحراك والدفاع عن مصالحها الطبقية. إن القوى اللازمة لبناء حزب شيوعي ثوري سوف تنشأ من الطبقة العاملة نفسها. عندها فقط، ومن خلال التدخل في السياسة على أساس مصالحها الطبقية، سوف تستعيد الطبقة العاملة منظورها التاريخي: تدمير التنظيم الرأسمالي في المجتمع لصالح مجتمع خال من الطبقات والاستغلال.

15 أيلول / سبتمبر 2016