لبنان: أزمة النفايات وتعفن النظام - 2015

ترجمة

* * * * * * *

من أسبوعية النضال العمالي في 02 سبتنبر 2015، عدد رقم 2457.

في لبنان، تتزايد الاحتجاجات منذ عدة أسابيع، وقد شارك فيها عشرات الآلاف. وإنها مسألة النفايات التي أشعلت نار الفتيل.

في 17 يوليو، قام بعض سكان منطقة الناعمة، الواقعة بالقرب من العاصمة بيروت، بمنع دخول شاحنات تفريغ القمامة إلى المكب الواقع في المنطقة. وتشير التقديرات إلى أنه منذ افتتاح هذا المكب، تم تكديس 18 مليون طن من القمامة، من دون معالاجة، وهي كمية تفوق عشرة مرات ما كان مقررا في بداية المشروع. فمع سعر ال 140 يورو للطن الواحد، وهو واحد من أغلى الأسعار في العالم، شكل المكب مصدر أرباح هامة للشركة التي تحتكر جمع النفايات والتي يملكها عضو في زمرة رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.

فتكدست النفايات في الشوارع. وفي نصف فصل الصيف سرعان ما أصبح الوضع لا يطاق. فجاء الحراك جراء حملة أطلقتها جمعية "طلعت ريحتكم" المطالبة بايجاد حلول لمشكلة النفايات والشاجبة في نفس الوقت لفساد السياسيين. وتطور الحراك بالرغم من خراطيم المياه والغازات المسيلة للدموع التي أطلقتها الشرطة، والتي كان لها مفعولا عكسيا إذ جاءت بموجات جديدة من المتظاهرين إلى شوارع بيروت. فأسباب الغضب ضد السلطات كثيرة. فالخدمات العامة لا تعمل إلا في سبيل إثراء رجال الأعمال، والطرقات تفتقر للصيانة، والتأمين الصحي معدوم، و يصعب إلى أغلبية السكان تغطية تكاليف المستشفيات. أما الكهرباء، فعادة ما يتم قطعها ثلاث ساعات يوميا في بيروت، وغالبا الضعف في القرى، وقد تفاقمت أزمتها مع أعطال حصلت هذا الصيف. أما بالنسبة للمياه، فهي تندر كل صيف حيث بسبب حالة الشبكات السيئة. كل هذا في بلد لا يفتقر إلى الثروات، على الأقل بالنسبة للأقلية الصغيرة التي تحتكرها.

فالحديث عن عجز النظام السياسي اللبناني ليس إلا تبسيطا للواقع. ففي هذا النظام القائم على الطائفية، يتم توزيع المناصب والمهام على أساس طائفي بين الأديان والطوائف المعترف بها وهي بعدد الـ18، من مسيحيين موارنة ومسلمين سنة وشيعة ودروز، الخ. إن هذا النطام الذي وضعته فرنسا بهدف ضمان سيطرتها الاستعمارية، بات يخدم الأسر الكبيرة التي تهيمن على البلاد. فيتم استخدامه بانتظام لتحويل غضب ضحايا الاستغلال إلى اشتباكات بين الطوائف. وذلك أدى إلى سنوات الحرب الاهلية (1975-1990) وإلى تقسيم البلاد بين مناطق يسيطر عليها مختلف زعماء العشائر. والحكومة ليست إلا انعكاسا لهذا الوضع، حيث تجمع طاولتها أخوة ـ أعداء همومهم بعيدة كل البعد عن المسائل الحياتية والخدمات العامة المهمولة بالكامل.

ويضاف إلا هذا الآثار المترتبة على الأزمة السورية مع تدفق مليون لاجئ في بلد بالكاد يفوق عدد سكانه الأربعة ملايين، وكذلك عواقب التورط المباشر لحزب الله الشيعي في الحرب السورية وتواجود مقاتلي الدولة الإسلامية في بعض المناطق الحدودية مع حدوث عمليات خطف لجنود لبنانيين.

وتظهر أزمة القمامة هذه أن جزءا من الشعب اللبناني، وأمام هذا الوضع الفوضوي، قد طفح كيله بما فيه الكفاية للنزول الى الشوارع وشجب السياسيين المهتمين فقط بشؤونهم الضيقة ومنافساتهم العشائرية.

إن لهذا الأمر دلالات بالتأكيد. ففي هذه البلد الذاهب نحور الانفجار، كما هو الحال في منطقة الشرق الأوسط بأكملها، هناك قبل كل شيء أناس يريدون، وبكل بساطة، التمكن من العيش بشكل طبيعي.