دروس تجربة مصر- 2013

ترجمة

افتتاحية نشرات الشركات 19 آب / أغسطس 2013.

قبل عامين، دفعت موجة قوية من الاحتجاجات الشعبية بالمجلس العسكري المصري للتخلي عن مبارك بعد أكثر من ثلاثين سنة في السلطة. فأعلن حينها قادة الدول الامبريالية وفي طليعتها الولايات المتحدة، بصوت عال عن فرحتهم بانتهاء الديكتاتورية العسكرية التي كانوا قد قاموا بدعمها وتمويلها وتسليحها طالما كانت قادرة على تأمين الاستقرار. وألقوا جميعا الخطابات حول "الربيع العربي" الذي سوف يؤدي إلى الديمقراطية ضمن حقبة جديدة للشعب المصري.

لكن ليس فقط أن هذا "الربيع" الذي بشروا له لم يؤمن الخبز للجماهير الفقيرة والفلاحين البؤساء والكادحين في المدن، بل حتى الحرية المناشد بها هي الآن عبارة عن عودة الجيش إلى الشوارع وذلك، علاوة عنه، بموافقة جزء من الناس المشمئزين من سياسة الرئيس محمد مرسي، ممثل جماعة الإخوان المسلمين، والذي قام الجيش بخلعه عن الرئاسة بعد سنة من انتخابه. ومصر تشتعل اليوم، فالمدن الكبيرة محاطة بالدبابات والجيش والشرطة يطلقان الذخيرة الحية بما في ذلك على المتظاهرين غير المسلحين. ووقع ما بين الألف والألفي قتيل في الأحياء المحترقة جراء هذه الحرب الأهلية التي يزداد نطاقها.

إن هذه الحرب الأهلية دامية بقدر ما هي عقيمة من حيث مصالح الغالبية العظمى الفقيرة من الشعب. فمن جانب يوجد الجيش والمجلس العسكري وطبقة الضباط الكبار الذين فرضوا نظام القمع الوحشي خلال أكثر من نصف قرن عبر تعاقب ممثليهم على رأس الدولة. أما الاستقرار الذي يقوم الجيش بضمانه ليس إلا في سبيل تأمين المصالح المادية للبرجوازية الكبيرة، البرجوازية العالمية بشكل خاص، بالإتاحة للشركات الغربية الكبرى القيام بنهب البلد، ناهيك عن الدور النظام المصري الاستراتيجي في الشرق الأوسط.

وفي مقابل الجيش يوجد الإخوان المسلمون. وإن وصل أحدهم إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع، فإنهم يريدون أن يفرضوا على الناس شكلا آخر من أشكال النظام الاستبدادي المتكون من التزمت الديني والعنف الموجه ضد من لا يتفق مع عقيدتهم واضطهاد المرأة. إن هاتين القوتين متنافستان فيما بينهما ولكن لدى كليهما نفس التصميم على إبقاء الجماهير الفقيرة تحت السيطرة.

مأساة الشعب المصري تكمن بكونه ممزقا بين قوتين سياسيتين عاجزتين كليهما عن ضمان أبسط الحريات الديمقراطية، وهما أكثر عجزا بما يخص إنهاء تخلف البلاد والبؤس الشديد لدى الطبقات العاملة. ويوجد ارتباط وثيق بين الحرية والبؤس. فهل يعقل أن يمنح المستغلون الحريات الديمقراطية للمستغلين بوجود التفاوت الاجتماعي الفادح والبؤس المدقع ؟

لم يغير سقوط مبارك شيئا من كل ذلك. فوضع الطبقة الكادحة استمر بالتدهور بسبب الأزمة الاقتصادية وبسبب تفاقم البطالة خصوصا مع انهيار السياحة. فالبرجوازية الكبيرة، في حربها لكي تحافظ على أرباحها، لا ترحم الكادحين في البلدان الفقيرة. وبينما كان أوباما وهولاند يخطبان بإسهاب عن "الانتقال الديمقراطي" استمرت الشركات الرأسمالية بنهب مصر وبدفع العمال نحو الهاوية كما استمرت أيضا بتمويل وتدريب الجيش المصري. فاللواء السيسي، المرشح الجديد للقيام بدور الدكتاتور، قد تلقى التدريب في مدرسة الحربية في الولايات المتحدة. فاحتجاجات قادة الدول الغربية على عنف الجيش ليست إلا نفاق لحجب تواطؤهم معه.

فلا يجب أن ننخدع. فحتى لو سلط الجيش قمعه على الإخوان المسلمين زاعما الدفاع عن العلمانية وحقوق المرأة والأقلية المسيحية، فهدف الجيش هو إرهاب الطبقات الفقيرة بموافقة القوى الكبرى.

وفي مرتين خلال سنتين، ضد مبارك أولا ثم ضد مرسي مؤخرا، برهنت الجماهير الشعبية عن قدرتها على التعبئة والحراك. ولكن تجربة مصر تظهر أيضا أن قوة الجماهير المستغلة هذه يمكن أن تضلل وأن تذهب هباء إذا لم تكن مدارة من قبل البلوريتاريا الواعية لمصالحها الخاصة والمناضلة عبر تنظيماتها الخاصة وتحت رايتها الخاصة.

لن يكون هناك ثورة حقيقية في مصر إلا بوعي الجماهير المستغلة بأن مصيرها لن يتغير إلا بالتخلص من حكم الدولة البرجوازية، المحلية والدولية، ومن سيطرتها على الاقتصاد.