الشرق الأوسط: استمرارية الحرب ضرورة لبقاء الهيمنة الإمبريالية - أكتوبر 2023

ترجمة

الشرق الأوسط: استمرارية الحرب ضرورة لبقاء الهيمنة الإمبريالية

من شهرية النضال الطبقي العدد 235، نوفمبر 2023

من الواضح أن الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، على الرغم من أنه أدى إلى زيادة التوتر في الشرق الأوسط بسرعة كبيرة، فهو لم يكن مفاجئا. إذ قد سبقه تطرف الحكومة الإسرائيلية، خاصة منذ وصول وزراء جدد من اليمين المتطرف إليها والذين استحضرهم نتنياهو بسبيل تحقيق الأغلبية الحكومية. وقد أدت العمليات القمعية والاستفزازات ضد الفلسطينيين، في عدة مناسبات، إلى ردود فعل مسلحة من جانب حماس التي تسعى إلى تثبيت نفسها باعتبارها المنظمة المقاتلة التي تمثل الفلسطينيين وتحميهم. ومن خلال قضاء الحكومة الإسرائيلية على كل أمل في حدوث أي تطور إيجابي في وضع الفلسطينيين، فإنها، مثل تلك الحكومات التي سبقتها، لن تتمكن إلا من إثارة رد فعل في المقابل عاجلا أم آجلا.

إن سياسة نتنياهو تشكل طريقا مسدودا بالنسبة للشعب الإسرائيلي، تماما كما تمثل سياسات حماس طريقا مسدودا بالنسبة للشعب الفلسطيني. لكن الصراع القائم منذ عقود من الزمن بين الشعبين لا يمكن اختزاله في مجرد صراع بين قوميتين حول منطقة متنازع عليها، بل هو جزء من مختلف الصراعات القائمة في الشرق الأوسط. وهذه الصراعات، التي غذتها التدخلات الإمبريالية طوال القرن العشرين، جعلت المنطقة نقطة ساخنة على هذا الكوكب، وأدت إلى استمرار وضع متفجر يتجاوز الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وحده.

وإن كانت الإمبراطورية العثمانية على مدى قرون إطارا للتعايش النسبي بين شعوب عديدة من مختلف اللغات والأديان، فقد أدت الحرب العالمية الأولى إلى انهيارها ليتم بعدها تقطيع أوصالها من قبل القوى الإمبريالية الكبرى التي اتخذت مسألة السيطرة على الشرق الأوسط لديها أهمية استراتيجية. وقد أتى بعدها اكتشاف النفط إلى تحفيز شهية هذه الدول.

ومنذ عام 1918، تحت غطاء "الانتداب" المقرر في عصبة الأمم، قامت قوى فرنسا وبريطانيا العظمى الاستعمارية برسم الحدود في الشرق الأوسط وفقا لما يناسبها، بينما قامت بقمع شديد للمشاعر الوطنية للسكان. وفي الوقت نفسه، حفزت الإمبريالية الإنجليزية الهجرة اليهودية إلى فلسطين كوسيلة لموازنة صعود القومية العربية. وكانت أداة هذا المشروع هي الحركة الصهيونية، وفي داخلها العديد من الناشطين المحمسين بالمثل الاشتراكية التي ادعتها تلك الحركة. فهذه "الاشتراكية"، التي تمثلت على سبيل المثال من خلال الطبيعة الجماعية للأراضي الزراعية مثل الكيبوتسات، كان الهدف منها أن تكون يهودية حصريا. ومن خلال استبعاد السكان العرب المحليين/الأصليين عن المشروع وطردهم في كثير من الأحيان من أراضيهم، كان الصهيونية بالحقيقة بمثابة مشروع استعماري ضد هؤلاء السكان.

بعد الحرب العالمية الثانية وإبادة ملايين اليهود، اتخذت الحركة الصهيونية طابعا أكثر ضخامة، حيث رأى العديد من الناجين في الهجرة إلى فلسطين وسيلة للهروب من المجتمع الأوروبي الذي رفضهم، وبناء وطن لهم. لكن أحقية هذه التطلعات استغلت من قبل القادة الصهاينة لاستخدام المهاجرين اليهود ليس فقط للقتال ضد المستعمر البريطاني لفلسطين، ولكن بعد ذلك لبناء دولة، دولة إسرائيل التي حددت منذ البداية كدولة يهودية. وبعد أن طردت الميليشيات الصهيونية جزءا كبيرا من السكان العرب من المنطقة وحولتهم إلى لاجئين شبه دائمين، أصبح العرب الذين بقوا داخل حدود إسرائيل مواطنين من الدرجة الثانية إذ كانت حقوقهم أقل من حقوق أي مواطن يهودي، بما في ذلك اليهود القادمين من أوروبا أو أمريكا والذين تم منحهم، بإسم قانون العودة، حق الإقامة في البلاد والحصول على الجنسية.

وبينما كانت تطلعات السكان الفقراء في الشرق الأوسط كبيرة لتغيير حالهم وقد قاموا بعدة ثورات، فضل القادة الصهاينة أن يديروا ظهورهم لهم. وهكذا لم يتم فقط ضياع فرصة تاريخية لتوحيد تطلعات الناجين من المحارق في أوروبا وتطلعات الجماهير الفقيرة في المنطقة في نفس النضال ضد الإمبريالية، بل أن دولة إسرائيل الجديدة أثبتت عن دورها كأداة قمع بخدمة الامبريالية.

وبعد أن سلمت بريطانيا العظمى ولايتها إلى الأمم المتحدة في فبراير/شباط 1947، أقرت الأخيرة بتقسيم فلسطين بين دولة يهودية ودولة عربية، وذلك بموافقة كافة القوى العظمى، بما في ذلك الاتحاد السوفييتي تحت حكم ستالين. وبعد أن رفض الطرفان هذا التقسيم، نشبت الحرب الأولى بين الميليشيات الصهيونية والدول العربية المجاورة مما أعطى الفرصة لإعلان دولة إسرائيل في 14 مايو/أيار 1948، ليتم بعد ذلك توسيعها واعتراف الدول العظمى بها. أما الدولة العربية الفلسطينية المتوخاة فلم تر النور حيث بقيت الضفة الغربية وقطاع غزة محتلتين من قبل الأردن ومصر.

ومع رحيل القوى الاستعمارية من الشرق الأوسط تم إنشاء دول مثل لبنان وسوريا والعراق والأردن والسعودية وغيرها. ومنحت هذه الدول للإمبريالية، كونها أجهزة للبرجوازيات والإقطاعيات المحلية المتنافسة، وسيلة لمواصلة السيطرة على المنطقة من خلال اللعب على الانقسامات بين هذه الدول. وإذا كان الأمر نفسه ينطبق بشكل جوهري على دولة إسرائيل، فإن ظروف إنشائها جعلتها حليفة أساسية للإمبريالية، وقد تم الاثبات عن ذلك بسرعة.

ففي السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، شهدت معظم الدول العربية تنصيب حكومات قومية سعت إلى معارضة الضغوط الإمبريالية. ولكن عندما قررت مصر تحت عبد الناصر في عام 1956 تأميم قناة السويس، اصطدمت بهجوم عسكري من قبل فرنسا وبريطانيا وكانت إسرائيل حليفة لهما. واضطرت القوتان إلى التراجع في نهاية المطاف تحت ضغط الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، لكن الاحداث منحت للإمبريالية الأمريكية الفرصة لتفعيل سيطرتها على المنطقة، وذلك بموازاة برهنة إسرائيل عن كونها حليفا موثوقا به في هذا الصدد. ثم جاءت الحرب التالية في عام 1967، والتي شنتها إسرائيل على سوريا ومصر، لتؤدي إلى إضعاف هاتين الحكومتين القوميتين بما يرضي الإمبريالية وبدعم من جميع قادتها.

وانتهت حرب عام 1967 باحتلال اسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، مما أدى إلى طرد مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى الدول العربية المجاورة. كل هذا فاقم من حدة العداء لإسرائيل في المنطقة وعمق من شعور السكان الإسرائيليين بأنهم شعب محاصر وليس لديهم خيار آخر سوى التحالف، بشكل مستديم، مع الإمبريالية لمواجهة بيئة معادية.

وهذا الوضع هو الذي جعل إسرائيل الداعم المؤكد للقوى الإمبريالية في المنطقة. وحتى لو كان بإمكان الدول العربية، وإيران تحت حكم الشاه، أن تكون أيضا داعمة للإمبريالية، إلا أنها كانت أقل موثوقية بكثير بسبب عدم استقرارها السياسي والضغوط المعاكسة من قبل شعوبها، كما تم التحقق من ذلك في عدة مناسبات. وإسرائيل، من خلال شن حرب ضد دول الجوار وتشكيل تهديد عسكري دائم لها، أظهرت مدى كونها أداة مفيدة للإمبريالية لضمان هيمنتها على المنطقة.

ثم أدى الوضع الذي خلقته حرب عام 1967 إلى بداية التجذر الثوري لدى الفلسطينيين والذي كان بإمكانه أن يقلب مسار تطور الأمور في المنطقة. فإن فقدان مصداقية القادة العرب بعد هزيمتهم العسكرية دفع الفلسطينيين نحو المنظمات القومية الأكثر راديكالية، كما أصبح الدعم المتزايد لهذه المنظمات من قبل الجماهير الشعبية في البلدان المجاورة عاملا مزعزعا للاستقرار مما عرض السلطات السياسية للخطر، لدرجة أن قمع التنظيمات الفلسطينية قد بدأ من جهة الأنظمة العربية. فخلال أيلول الأسود عام 1970، سحق جيش الملك الأردني الميليشيات التي تشكلت في مخيمات اللاجئين والتي أصبحت تضايق سلطته. ثم في عام 1975، اندلعت الحرب الأهلية في لبنان بسبب هجوم ميليشيات الكتائب اليمينية المتطرفة ضد الفلسطينيين في المخيمات والذين كان نضالهم يلاقي صدى متزايدا لدى فقراء لبنان أيضا.

خلال هذه الأزمات، أثبتت السياسية القومية الفلسطينية، حتى الأكثر راديكالية بينها، عن قصر مداها. فالصدى الذي لاقته القضية الفلسطينية في جميع أنحاء العالم العربي كان فرصة تاريخية لتجاوز هدف القومية الفلسطينية الضيق والتعبير عن تطلعات الجماهير لوضع حد للاستغلال وزعزعة الهيمنة الإمبريالية التي باتت تمر عبر الأنظمة العربية المختلفة. لكن هدف القادة الفلسطينيين، وخاصة ياسر عرفات عبر فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، لم يكن الثورة الاجتماعية ولا حتى الثورة القومية العربية الشاملة لمختلف الدول بهدف تحطيم الحدود التي ابتكرها الاستعمار. بل على العكس من ذلك، كان هدفهم، عبر احترام هذا التقسيم بين الشعوب، محاولة الحصول على دعم الأنظمة العربية المختلفة، ومن ورائها دعم القوى الإمبريالية، كي يتم الاعتراف بحق البرجوازية الفلسطينية في أن تكون لها دولتها الخاصة حتى لو كانت مساحة هذه الدولة صغيرة. ولأنها فشلت في أن تكون مترجما للتطلعات الثورية للجماهير العربية، بات على المنظمات القومية الفلسطينية أن تصبح شريكة في قمعها، فكان من شأن ذلك أن يخسرها الكثير من نقاط قوتها.

وبعد قمع الأنظمة العربية للمنظمات الفلسطينية بدأ النظام الإسرائيلي بدوره بقمعها، ولا سيما عبر الحملة العسكرية في حزيران/يونيو 1982 حيث قاد جيشه إلى بيروت لمواجهة الميليشيات الفلسطينية المتمركزة في مخيمات اللاجئين وتفكيك منظمة التحرير الفلسطينية. ولم يسنح لحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية وعرفات أي فرصة جديدة من بعدها إلا عندما انتفضت الجماهير الفلسطينية، وخاصة الشباب، عام 1987. فأمام الصعوبة التي لاقاها النظام الإسرائيلي لاستعادة الاستقرار من خلال القمع، اضطر هذا الأخير إلى توقيع اتفاقيات أوسلو في فترة 1993-1995 والتي ترك بموجبها لمنظمة التحرير الفلسطينية نواة جهاز دولة تحت عنوان السلطة الفلسطينية. وكانت مهمة هذه السلطة في الواقع التعاون مع الدولة الإسرائيلية بهدف إبقاء الجماهير في الضفة الغربية وغزة تحت السيطرة مع التلويح لهم بالأمل البعيد في التوصل إلى حل سياسي من شأنه أن يضع حدا للاحتلال.

وما تلا ذلك أظهر أن النظام الإسرائيلي لم يكن مستعدا حتى للسماح للبرجوازية الفلسطينية بأن تكون لها دولة تتمتع فعليا ببعض الامتيازات على أراضيها الصغيرة. فتلاشت فرضية تهدئة الصراع من خلال حل "الدولتين"، ويرجع ذلك أساسا إلى سياسات الإمبريالية ووليدتها إسرائيل التي لم تترك لهذا الحل أي مجال. ففي إسرائيل، شكل الخيار بزيادة السياسة العدوانية، بموازاة السياسة الاستيطانية، أرضا خصبة لنشوء أصولية دينية يهودية رجعية بشكل متزايد، وقومية متطرفة، وعنصرية علنية تدعو إلى طرد جميع العرب. وبينما شجعت حكومات حزب العمال اليساري هذه الاتجاهات أو استسلمت لها، تزايد نفوذ الاحزاب اليمينية وترأست حكومات متعاقبة. كما وضع هذا المنحى السكان الإسرائيليين في وضعية احتمال تعبئتهم بشكل دائم لشن حرب على جيرانهم، كما دفع إلى استبعاد أية تسوية حقيقية مع القادة الفلسطينيين.

وهكذا لم تكن اتفاقيات أوسلو إلا مجرد حقبة قصيرة سريعة الزوال أدت إلى إنشاء سلطة فلسطينية فقدت مصداقيتها بشكل سريع. وأدى ذلك إلى ظهور توجهات متطرفة من نوع جديد بين الفلسطينيين تدعو هي أيضا إلى الكفاح المسلح من أجل تدمير إسرائيل، لكنها كانت تبعد عن منظمة التحرير الفلسطينية التقدمية إلى حد ما من خلال توجهها الأصولي والإسلامي. وتعطي حماس مثالا عن منظمة إسلامية حظيت في البداية على التحفيز من قبل القادة الإسرائيليين بهدف إضعاف تأثير منظمة التحرير الكبير، ولكنها لم تتمكن من كسب الشعبية إلا من خلال زيادة راديكالية خطابها وعملياتها ضد إسرائيل تدريجيا.

وفي عام 2005، أمام عدم تمكنهم السيطرة على الوضع في غزة، أنهى القادة الإسرائيليون احتلال القطاع ليفرضوا عليه بدلا من ذلك حصارا عسكريا واقتصاديا دائما. وأدى هذا الحصار، الذي تم بالتعاون مع مصر، إلى مفاقمة الأوضاع سوءا بالنسبة لسكان القطاع. وجاءت النتيجة المتوقعة لهذه السياسة في عام 2007 مع استيلاء حماس على السلطة في غزة، والتي عملت على ترسيخ صورتها كمنظمة مقاتلة عبر قيامها، في عدة مناسبات، بتوجيه هجمات صاروخية على إسرائيل. ولم يكن رد القادة الإسرائيليين بالإبقاء على حصار غزة فحسب، بل بشن الحروب المتعاقبة عليها، لا سيما في الأعوام 2008-2009 و2014، وتنفيذ عمليات قمعية دون أي اكتراث لأرواح السكان المدنيين. وكان لا بد لقادة إسرائيل من تجديد الهدف المعلن لهذه العمليات، والمتمثل في "تحطيم حماس"، باستمرار، لأن هذه العمليات لم تؤد بالحقيقة إلا إلى إيقاظ النزعات القتالية الجديدة.

وهكذا فإن تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني شهد زيادة التطرف في كلا المعسكرين، وذلك في اندفاع متهور دفعهما إلى طريق مسدود وإلى صراع لا نهاية له. لكن غياب الحل لا يرجع إلى عدم التوافق التاريخي المفترض بين السكان اليهود والسكان العرب، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، لأن الشرق الأوسط كان ولا يزال يتسع لكل هذه الشعوب. ففي كل مرحلة من مراحل الصراع كان تأثير الإمبريالية حاسما ولا سيما في تحفيز تطرف دولة إسرائيل وقادتها وميولهم الأكثر رجعية، مع تزويدهم بكل الأسلحة المتوخاة. وباستثناء لحظات نادرة وقصيرة، لم يفعل القادة الإمبرياليون شيئا للضغط من أجل التوصل إلى حلول توافقية على الرغم من أنه كان لديهم كل الامكانية للقيام بذلك، فقاموا بدلا من ذلك بالتستر على جميع انتهاكات النظام الإسرائيلي.

ويمكننا أن نجد أسبابا لذلك، بما في ذلك وجود الضغوطات التي تمارسا اللوبيات المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة أو حتى في الدول الإمبريالية مثل فرنسا والتي أصبح دورها أكثر هامشية اليوم، مما يجعل من الصعب سياسيا الضغط على قادة إسرائيل. لكن هذه الأسباب الظرفية تغطي سببا أكثر جوهرية وهو بأن للإمبريالية مصلحة في ديمومة هذا الصراع الذي يسمح لها بالاستمرار في الحصول على حليف مثل إسرائيل يمكنها الاعتماد عليها بجيشها القوي والمجهز بفضل القوى الامبريالية ذاتها، وذلك لمساعدتها في السيطرة على منطقة الشرق الأوسط وتهديد كل من يهدد القوى الامبريالية أو يحاول التخلص من هيمنتها.

إن الإمبريالية تحتاج إلى استمرار هذا الصراع أكثر من أي وقت مضى، وذلك لأن سياساتها قد أثارت وزادت من حدة سلسلة كاملة من الأزمات على مر السنين، بما يتجاوز الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وقد جلبت الثورة الإيرانية عام 1979 إلى السلطة نظام الجمهورية الإسلامية، الذي سعى إلى التخلص من هيمنة الامبريالية فكان الثمن عقوبات وحروب شنتها الدول الامبريالية ضده. كما قامت محاولات مماثلة في العراق في عهد صدام حسين وسوريا في عهد الأسد، ليتم إيقافها بالتدخلات العسكرية الإمبريالية والقصف الإسرائيلي. وكانت من نتائج هذه السياسات المهيمنة أيضا ظهور ميليشيات مثل تلك التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق أو ميليشيا حزب الله في لبنان، مما أدى إلى زعزعة استقرار هذه البلدان وأدى إلى تدخلات عسكرية جديدة.

علاوة على أن كون حالة عدم الاستقرار والأزمات هي نتاج للهيمنة الإمبريالية على المنطقة، فهي توفر لها أيضا الفرص والوسائل للتدخل للحفاظ على هيمنتها. فالإمبريالية، ولو ادعت بالرغبة بإطفاء حريق النزاعات، فهي تقوم غبر تدخلها بمفاقمة الوضع سوءا. كما هو الحال مع النقاط الساخنة الأخرى على هذا الكوكب، فإن الإمبريالية لديها كل الأسباب لإبقاء الصراعات في الشرق الأوسط مستمرة دون حل، وإبقاء النيران مشتعلة لمجرد بيع الأسلحة. كما أن تعدد الصراعات يترك الباب مفتوحا أمام كل احتمالات التوجه نحو تعميم الحرب.

إن الصراع بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني يظهر ما أوصلت إليه السياسة القومية البرجوازية كطريق مسدود، في زمن تعفن الإمبريالية. فلو افترضنا أن هناك بعض المساحة المتبقية لهذه السياسات للتبلور، ففي منطقة مثل الشرق الأوسط لم تترك الامبريالية للقومية الفلسطينية أي إمكانية حقيقية بالتحقق، ولا حتى تشييد دولة صغيرة. إن السبيل الوحيد أمام الشعوب في المنطقة، أكثر من أي وقت مضى، هو بمنح أنفسهم الوسائل اللازمة للتخلص من الهيمنة الإمبريالية والأنظمة التي تعمل معها والحدود التي تفرق بين الشعوب. إن القوة الوحيدة القادرة على إنجاز هذه المهمة هي البروليتاريا، بشرط أن تتمكن من تجاوز الانقسامات الوطنية. إن السبيل الوحيد لوضع حد للحروب الدائمة والتخلف المزمن هو الثورة البروليتارية لتحقيق اتحاد اشتراكي لشعوب الشرق الأوسط والعالم.

13 أكتوبر 2023

 

 

مصدر النص: https://www.union-communiste.org/ar/lnsws-bllg-lrby

النص باللغة الفرنسية: https://mensuel.lutte-ouvriere.org//2023/10/29/moyen-orient-la-guerre-permanente-condition-du-maintien-de-la-domination-imperialiste_727327.html