افتتاحية نشرة المصانع في 14 يوليو، 2014
********
في حين أن التلفزيونات في جميع أنحاء العالم كانت تجعل من كأس العالم في كرة القدم مهرجانا عالميا، كان قطاع غزة يغرق تحت قنابل طيران الإسرائيلي. فقطعة الأرض الصغيرة هذه التي تركتها دولة إسرائيل للفلسطينيين هي واحدة من المناطق الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم. بذلك فإن مصطلح "القصف الجراحي" ليس إلا نفاقا. فمعظم الضحايا الذين قتلوا بالمئات أو أصيبوا بجراح خطيرة هم من المدنيين، وما زال يتم انتشال جثث أطفال من بين أنقاض المنازل.
والشرارة التي فجرت مرة أخرى برميل البارود الإسرائيلي الفلسطيني كانت هذه المرة قتل ثلاثة شبان إسرائيليين تبعه قتل شاب فلسطيني. إنها الحلقة الألف من حرب القمع الممارسة على مدى عقود من قبل دولة إسرائيل، بدعم من كل القوى الكبرى، ضد الشعب الفلسطيني المحصور في بلاد متناثرة تحيطها الجدران والأسلاك الشائكة. شعب محروم من أي حق وخاضع للمضايقات المستمرة.
والحال كذلك منذ عدة عقود من الزمن حيث يعيش شعبان على رقعة صغيرة تحولت إلى سجن في الهواء الطلق للفلسطينيين، أما الإسرائيليون فقد تحولوا إلى لعب دور حراس هذا السجن.
وإن كان بحوذة دولة إسرائيل أكثر الجيوش تطورا وأكثرها فعالية (بفضل الطائرات والمروحيات والطائرات بدون طيار)، فإنها لا تتمكن من وئد الثورات المتعاقبة التي يقوم بها الشعب الفلسطيني المضطهد. فسياستها لم تولد، من الجانب الفلسطيني، إلا منظمات تصفها اسرائيل بالإرهابية لمجرد أنها تستخدم على نطاق صغير نفس الأساليب التي يستخدمها الجيش الاسرائيلي على نطاق واسع.
ولقد أجبر هول القمع الممارس قادة القوى الإمبريالية، بما في ذلك الرئيس الفرنسي هولاند، إلى الاعلان عن سخطهم المصطنع. وقد اكتفى وزير الدفاع الفرنسي بتوصية مثيله الإسرائيلي ب "الرد بشكل متوازن." وفي حين تتوالى التحضيرات لمؤتمر دولي للثرثرة حول السلام، تستمر القنابل بقتل السكان...
إن موقف قادة الغرب الإمبريالي ليس من النفاق فقط، وهو ليس سياسة النعام كذلك، بل هو جزء من نهجهم السياسي المتبع منذ فترة طويلة وبشكل متعمد.
فالسياسة المتبعة في المنطقة هي ذاتها مهما كانت الجهة في السلطة من الحزب الديمقراطي أو الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الاميركية، وحزب المحافظين أو حزب العمل في انكلترا، واليمين أو اليسار في فرنسا. ففي منطقة الشرق الأوسط هذه ذات الموقع الاستراتيجي والغنية بالنفط قامت سياسة القوى الامبريالية العظمى دائما على التقسيم في سبيل السيطرة، من تجزئة الشعوب وتحريض الدول ضد بعضها البعض، كل هذا في سبيل حفظ قبضة الشركات الكبرى على موارد هذه المنطقة.
وكانت سياستهم دائما بالتخلي عن جزء من هذه الثروات الهائلة للحكام المحليين وبيعهم الأسلحة لشن الحروب ضد بعضهم البعض، وخصوصا ضد شعبهم الذي يموت بسبب الفقر.
في لعبة التقسيم هذه، تلعب دولة إسرائيل دورا خاصا. فهي الحليف والذراع الأكثر موثوقية للإمبريالية ضد الشعوب العربية المجاورة. وبالإضافة إلى ذلك، فإنها تسمح للانظمة العربية الأكثر تباعية للإمبريالية، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات، بتجميل صورة سياسيتها الرجعية عبر بعض الخطابات المعادية لإسرائيل. هذا هو واقع السياسة الإمبريالية التي هي وراء الاشتباكات بين هذين الشعبين الشقيقين والمختلطين واللذان من مصلحة الاغلبية الساحقة من سكانهما التعايش الأخوي فيما بينهم.
لننظر إلى صور الأطفال والنساء والرجال الفارين خوفا من القصف. إن الشرق الأوسط أقرب علينا مما توحي به المسافات.
وهذا ليس استثناءا. فمن العراق إلى إفريقيا، مرورا بسوريا، كم من الحروب تنشب ويتم تأليب أقسام من الشعوب ضد بعضها البعض بإسم القومية أو العرق أو الدين؟ وحتى عندما تعين الإمبريالية لنفسها دور صانع السلام، كما يقوم بلدنا فرنسا في إفريقيا الوسطى وفي مالي، فهي في الواقع تقوم بإشعال النيران بدل من اخمادها.
الرأسمالية هي ليست فقط الاستغلال والقمع وزيادة الظلم، ولكنها أيضا الإمبريالية. والحروب التي تحملها تهدد البشرية جمعاء.